الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } * { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ }

يقول الحق جلّ جلاله: { ولله ما في السماوات وما في الأرض } خَلقاً وملِكاً، لا لغيره، لا استقالاً ولا اشتراكاً، { ليَجزي الذين أساؤوا بما عمِلوا } بعقاب ما عملوا من السوء، أو: بسبب ما عملوا، { ويجزَي الذين أحسنوا بالحسنى } بالمثوبة الحسنى، وهي الجنة، والمعنى: أن الله تعالى إنما خلق هذا العالم والعلوي والسفلي، وتصرّف فيه بقدرته بين جلاله وجماله، ليجزي المحسن من المكلّفين، والمسيء منهم إذ من شأن الملك أن ينصر أولياءه ويُكرمهم، ويقهر أعدائه ويُهينهم. وقال الطيبي: " ليجزي " راجع لقوله: { هو أعلم بمَن ضَلَّ... } الآية، والمعنى: إنَّ ربك هو أعلم بمَن ضلّ وبمَن اهتدى ليجزي كل واحد بما يستحقه، يعني: أنه عالم، كامل العلم، قادر، تام القدرة، يعلم أحوال المُكلَّفين فيُجازيهم، لا يمنعه أحدٌ مما يريده لأنَّ كل شيء من السموات والأرض ملكه، وتحت قهره وسلطانه، فقوله: { ولله ما في السماوات وما في الأرض }: جملة معترضة، توكيد للاقتدار وعدم المعارض. هـ. { الذين يجتنبون كبائِرَ الإثم }: بدل من الموصول الثاني، أو: رفع على المدح، أي: هم الذين يجتنبون. والتعبير بالمضارع للدلالة على تجدُّد الاجتناب واستمراره. وكبائر الإثم: ما يكبر عقابه من الذنوب، وهو ما رتّب عليه الوعيد بخصوصه. قال ابن عطية: وتحرير القول في الكبائر: إنها كل معصية يُوجد فيها حَدّ في الدنيا، أو توعّد عليها بنار في الآخرة، أو بلَعنةٍ ونحوها. وقرأ الأخوان: كبير الإثم على إرادة الجنس، أو الشرك، { و } يجتنبون { الفواحشَ } وهو ما فَحُشَ من الكبائر، كأنه قيل: يجتنبون الكبائر وما فحش منها خصوصاً، فيحتمل أن يريد بالكبائر: ما فيه حق الله وحده، والفواحش منها: ما فيه حق الله وحق عباده، { إِلا اللممَ } أي: إلا ما قَلَّ وصَغُر، فإنه مغفور لمَن يجتنب الكبائر، وقيل: هي النظرة والغمزة والقُبلة، وقيل: الخطرة من الذنب، وقيل: كل ذنب لم يجعل الله فيه حَدّاً ولا عذاباً. والاستثناء منقطع لأنه ليس من الكبائر ولا من الفواحش. { إِنَّ ربك واسِعُ المغفرة } حيث يغفر الصغائر باجتناب الكبائر، أو: حيث يغفر ما يشاء من الذنوب من غير توبة، وهذا أحسن، { هو أعلم بكم إِذا أنشأكم } في ضمن إنشاء أبيكم آدم عليه السلام { من الأرض } إنشاءً إجمالياً، حسبما مرّ تحقيقه مراراً، { وإِذا أنتم أَجِنةٌ } أي: يعلم وقت كونكم أجنّة { في بُطون أمهاتكم } على أطوار مختلفة، لا يخفى عليه حالٌ مِن أحوالكم، ولا عمل من أعمالكم. { فلا تُزكُّوا أنفسكم } فلا تنسبوها إلى زكاء الأعمال، وزيادة الخير والطاعات، أو: إلى الزكاة والطهارة من المساوئ، ولا تُثنوا عليها، واهضموها، فقد علم اللّهُ الزكيَّ منكم والتقِيّ، قبل أن يُخرجكم من صُلب آدم، وقبل أن تخرجوا من بطون أمهاتكم.

السابقالتالي
2