الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }

{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } أي باغتيابهن وسوء مقالتهن، وتسمية ذلك مكراً لشبهه له في الإخفاء، وقيل: كانت استكتمتهن سرها فأفشينه وأطلعن أمرها، وقيل: إنهن قصدن بتلك المقالة إغضابها حتى تعرض عليهن يوسف لتبدي عذرها فيفزن بمشاهدته، والمكر على هذين القولين حقيقة { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } تدعوهن، قيل: دعت أربعين امرأة منهن الخمس أو الأربع المذكورات، وروي ذلك عن وهب، والظاهر عود الضمير على تلك النسوة القائلة ما قلن عنها { وَأَعْتَدَتْ } أي هيأت { لَهُنَّ مُتَّكَئًا } / أي ما يتكئن عليه من النمارق والوسائد كما روي عن ابن عباس، وهو من الاتكاء الميل إلى أحد الشقين، وأصله موتكأ لأنه من توكأت فأبدلت الواو تاءاً وأدغمت في مثلها، وروي عن الحبر أيضاً أن المتكأ مجلس الطعام لأنهم كانوا يتكؤن له كعادة المترفين المتكبرين، ولذلك نهي عنه، فقد أخرج ابن أبـي شيبة عن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبـي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يأكل الرجل بشماله وأن يأكل متكئاً، وقيل: أريد به نفس الطعام قال العتبـي: يقال: اتكأنا عند فلان أي أكلنا؛ ومن ذلك قول جميل:
فظللنا بنعمة واتكأنا   وشربنا الحلال من قلله
وهو على هذا اسم مفعول أي متكئاً له أو مصدر أي اتكاء، وعبر بالهيئة التي يكون عليها الآكل المترف عن ذلك مجازاً، وقيل: هو من باب الكناية. وعن مجاهد أنه الطعام يحز حزاً بالسكين واختلفوا في تعيينه، فقيل: كان لحماً وكانوا لا ينهشون اللحم وإنما يأكلونه حزاً بالسكاكين، وقيل: كان أترجاً وموزاً وبطيخاً، وقيل: الزماورد وهو الرقاق الملفوف باللحم وغيره أو شيء شبيه بالأترج، وكأنه إنما سمي ما يقطع بالسكين بذلك لأن عادة من يقطع شيئاً أن يعتمد عليه فيكون متكأ عليه. وقرأ الزهري وأبو جعفر وشيبة ـ متكى ـ مشدد التاء من غير همز بوزن متقى وهو حينئذ إما أن يكون من الاتكاء وفيه تخفيف الهمزة كما قالوا في توضأت: توضيت، أو يكون مفتعلاً من أوكيت السقاء إذا شددته بالوكاء، والمعنى أعتدت لهن ما يشتد عليه بالاتكاء أو بالقطع بالسكين، وقرأ الأعرج (متكأ) على وزن مفعلاً من تكاء يتكأ إذا اتكأ، وقرأ الحسن وابن هرمز (متكاء) بالمد والهمز وهو مفتعل من الاتكاء إلا أنه أشبع الفتحة فتولدت منها الألف وهو كثير في كلامهم، ومنه قوله:
وأنت من الغوائل حين ترمى   وعن ذم الرجال بمنتزاح
وقوله:
ينباع من ذفرى غضوب جسرة   زيافة مثل الفنيق المكرم
وقرأ ابن عباس وابن عمر ومجاهد وقتادة وآخرون (متكاً) بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف، وجاء ذلك عن ابن هرمز أيضاً، وهو الأترج عند الأصمعي وجماعة والواحد متكة، وأنشد:

السابقالتالي
2 3 4 5 6