الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ }

{ ثُمَّ إِنَّكُمْ } على تغليب المخاطب على الغيب. { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عِندَ رَبّكُمْ } أي مالك أموركم { تَخْتَصِمُونَ } فتحتج أنت عليهم بأنك بلغتهم ما أرسلت به من الأحكام والمواعظ التي من جملتها ما في تضاعيف هذه الآيات واجتهدت في دعوتهم إلى الحق حق الاجتهاد وهم قد لجوا في المكابرة والعناد ويعتذرون بالأباطيل مثلأَطَعْنَا سَادَتَنَا } [الأحزاب: 67] ووَجَدْنَا ءابَاءنَا } [الأنبياء: 53] وغَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا } [المؤمنون: 106] والجمع بين { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } و { عِندَ رَبّكُمْ } لزيادة التهويل ببيان أن اختصامهم ذلك في يوم عظيم عند مالك لأمورهم نافذ حكمه فيهم ولو اكتفى بالأول لاحتمل وقوع الاختصام فيما بينهم بدون مرافعة أو بمرافعة لكن ليست لدى مالك لأمورهم، والاكتفاء بالثاني على تسليم فهم كون ذلك يوم القيامة معه بدون الاحتمال لا يقوم مقام ذكرهما لما في التصريح بما هو كالعلم من التهويل ما فيه، وقال جمع: المراد بذلك الاختصام العام فيما جرى في الدنيا بين الأنام لا خصوص الاختصام بينه عليه الصلاة والسلام وبين الكفرة الطغام، وفي الآثار ما يأبـى الخصوص المذكور.

أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن عساكر عن إبراهيم النخعي قال: نزلت هذه الآيةإِنَّكَ مَيّتٌ } [الزمر: 30] الخ فقالوا: وما خصومتنا ونحن إخوان فلما قتل عثمان بن عفان قالوا هذه خصومة ما بيننا. وأخرج سعيد بن منصور عن أبـي سعيد الخدري قال: لما نزلت { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } كنا نقول: ربنا واحد وديننا واحد فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا: نعم هو هذا.

وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبـي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: لقد لبثنا برهة من دهرنا ونحن نرى أن هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين من قبل { إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قلنا: كيف نختصم ونبينا واحد وكتابنا واحد حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف فعرفت أنها نزلت فينا، وفي رواية أخرى عنه بلفظ نزلت علينا الآية { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } وما ندري فيم نزلت قلنا: ليس بيننا خصومة فما التخاصم حتى وقعت الفتنة فقلت: هذا الذي وعدنا ربنا أن نختصم فيه.

وأخرج أحمد وعبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن أبـي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في «الحلية»، والبيهقي في «البعث والنشور» عن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه قال: لما نزلت: { إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } [الزمر: 30ـ31] قلت: يا رسول الله أينكر علينا ما يكون بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب قال: نعم ينكر ذلك عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه قال الزبير: فوالله إن الأمر لشديد.

السابقالتالي
2 3