الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

فيه أربع مسائل: الأولى ـ روى الترمذي عن أُمّ سَلَمة أنها قالت: يغزو الرجال ولا تغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث فأنزل الله تعالى { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } قال مجاهد: وأنزل فيهاإِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ } [الأحزاب: 35]، وكانت أمّ سلمة أول ظَعِينة قدِمت المدينة مهاجرة. قال أبو عيسى هذا حديث مرسَل، ورواه بعضهم عن ابن أبي نَجيح عن مجاهد، مُرسَل أن أم سلمة قالت كذا. وقال قتادة كان الجاهلية لا يوّرثون النساء ولا الصبيان فلما ورّثوا وجُعل للذّكر مثل حظ الأنثيين تمنت النساء أن لو جُعل أنصباؤهن كأنصباء الرجال. وقال الرجال إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهنّ في الميراث فنزلت، { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }. الثانية ـ قوله تعالى: { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ } التّمني نوع من الإرادة يتعلق بالمستقبل، كالتلهُّف نوع منها يتعلق بالماضي فنهى الله سبحانه المؤمنين عن التّمني لأن فيه تعلق البال ونسيان الأجل. وقد اختلف العلماء هل يدخل في هذا النهي الغِبطَةُ، وهي أن يتمنى الرجل أن يكون له حال صاحبه وإن لم يتمنّ زوال حاله. والجمهور على إجازة ذلك: مالك وغيره وهي المراد عند بعضهم في قوله عليه السلام: " لا حسد إلا في ٱثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار " فمعنى قوله «لا حسد» أي لا غِبطة أعظم وأفضل من الغِبطة في هذين الأمرين. وقد نبّه البخاري على هذا المعنى حيث بوَّب على هذا الحديث باب الاغتباط في العلم والحكمة قال المهلب: بيّن الله تعالى في هذه الآية ما لا يجوز تمنيّه، وذلك ما كان من عرض الدنيا وأشباهها. قال ابن عطية: وأما التمنّي في الأعمال الصالحة فذلك هو الحسن، وأما إذا تمنّى المرء على الله من غير أن يقرن أُمنيته بشيء مما قدّمنا ذكره فذلك جائز وذلك موجود في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " وَدِدت أن أَحْيَا ثم أُقتل ". قلت: هذا الحديث هو الذي صدّر به البخاري كتاب التمني في صحيحه، وهو يدل على تمني الخير وأفعال البر والرغبة فيها، وفيه فضل الشهادة على سائر أعمال البر لأنه عليه السلام تمناها دون غيرها. وذلك لرفيع منزلتها وكرامة أهلها، فرزقه الله إياها لقوله: " ما زالت أُكْلَة خَيْبَرَ تُعادُّني الآن أَوان قطعتْ أَبْهَرِي " وفي الصحيح: " إن الشهيد يقال له تمنّ فيقول أتمنى أن أرجع إلى الدنيا حتى أقتلَ في سبيلك مرة أخرى "

السابقالتالي
2 3