الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

قال الأستاذ الإمام في بيان وجه اتصال الآية بما قبلها: نهى أولاً عن أكل الناس بعضهم أموال بعض بالباطل وأوعد فاعل ذلك، وبين بعد ذلك وما قبله من المناهي ما يغفر منها وما لا يغفر، ثم أرشدنا بعد هذا كله إلى قطع عرق كل تعدٍ على الأموال والأنفس وسائر الحقوق وهو التمني وعدم استعمال كلٍّ لمواهبه في الجد والكسب وكل ما يتمناه الإنسان لنفسه من الخير.

وقال البقاعي في ذلك: ولما نهى عن القتل وعن الأكل بالباطل بالفعل وهما من أعمال الجوارح ليصير الظاهر طاهراً عن المعاصي الوخيمة نهى عن التمني فإن التمني قد يكون حسداً وهو المنهي عنه هنا كما هو ظاهر الآية وهو حرام والرضى بالحرام حرام، والتمني على هذا الوجه يجر إلى الأكل، والأكل يقود إلى القتل، فإن من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه، فإذا انتهى عن ذلك كان باطنه طاهراً عن الأخلاق الذميمة بحسب الطريقة، ليكون الباطن موافقاً للظاهر ويكون جامعاً بين الشريعة والطريقة فيسهل عليه ترك ما نهي عنه ويرضى بما قسم له.

وقال القفال: لما نهى الله تعالى المؤمنين عن أكل أموال الناس بالباطل وقتل الأنفس عقبه بالنهي عما يؤدي إليه من الطمع في أموالهم.

وروي في سبب نزولها ثلاث روايات:

إحداهما: عن مجاهد قال قالت أم سلمة رضي الله عنها يا رسول الله تغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث، فأنزل الله تعالى الآية.

والثانية: عن عكرمة أن النساء سألن الجهاد فقلن: وددنا أن الله جعل لنا الغزو فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال، فنزلت.

والثالثة: عن قتادة والسدي قالا لما نزل قوله تعالى:لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } [النساء: 11] قال الرجال إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا كما فضلنا عليهن في الميراث فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء، وقالت النساء إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا، فأنزل الله تعالى: { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ } ذكر الروايات الثلاث الواحدي والسيوطي في الدر المنثور. وهي لا تتفق اتفاقاً بينّاً مع المأثور عن ابن عباس (رضي الله عنه) في تفسير التمني بالحسد فقد روي عنه أنه قال فيها: " لا يقل أحدكم ليت ما أعطي فلان من المال والنعمة والمرأة الحسناء كان عندي، فإن ذلك يكون حسداً، ولكن ليقل اللهم اعطني مثله ".

الأستاذ الإمام: سبب تلك الروايات الحيرة في فهم الآية ومعناها ظاهر وهو أن الله تعالى كلف كلاً من الرجال والنساء أعمالاً فما كان خاصاً بالرجال لهم نصيب من أجره لا يشاركهم فيه النساء، وما كان خاصاً بالنساء لهن نصيب من أجره لا يشاركهن فيه الرجال، وليس لأحدهما أن يتمنى ما هو مختص بالآخر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6