الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ }

أرى أن عطفه على جملةأنهم إليهم لا يرجعون } يس 31 واقعٌ موقع الاحتراس من توهم المخاطبين بالقرآن أن قوله { أنهم إليهم لا يرجعون } مؤيد اعتقادهم انتفاء البعث. و { إِنْ } يجوز أن تكون مخففة من الثقيلة والأفصح إهمالها عن العمل فيما بعدها، والأكثر أن يقترن خبر الاسم بعدها بلام تسمّى اللام الفارقة لأنها تفرق بين { إِنْ } المخففة من الثقيلة وبين { إِنْ } النافية لئلا يلتبس الخبر المؤكد بالخبر المنفي فيناقض مقصد المتكلم، وعلى هذا الوجه يكون قوله { لَما } مخفف الميم كما قرأ الجمهور { لَمَا جَمِيعٌ } بتخفيف ميم { لَمَّا } ، فهي مركبة من اللام الفارقة وما الزائدة للتأكيد، ويجوز أن تكون { إنْ } نافية بمعنى لا ويكون { لَمَّا } بتشديد الميم على أنها حرف استثناء بمعنى إلا تقع بعد النفي ونحوه كالقسم. وكذلك قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة وأبو جعفر. والتقدير وما كلهم إلا مُحْضَرُون لدينا. و { كُلٌّ } مبتدأ وتنوينه تنوين العوض عما أضيف إليه كل، أي كل القرون، أو كل المذكورين من القرون والمخاطبين. و { جَمِيعٌ } اسم على وزن فعيل، أي مجموع، وهو ضد المتفرق. يقال جمع أشياءَ كَذا، إذا جعلها متقاربة متصلة بعد أن كانت مشتتة ومتباعدة. والمعنى أن كل القرون محضرون لدينا مجتمعين، أي ليس إحضارهم في أوقات مختلفة ولا في أمكنة متعددة فكلمة { كل } أفادت أن الإِحضار محيط بهم بحيث لا ينفلت فريق منهم، وكلمة { جميع } أفادت أنهم محضرون مجتمعين فليست إحدى الكلمتين بمغنية عن ذكر الأخرى، ألا ترى أنه لو قيل وإن أكثرهم لما جميع لدينا محضرون، لما كان تناف بين «أكثرهم» وبين «جميعهم» أي أكثرهم يحضر مجتمعين فارتفع { جَمِيعٌ } على الخبرية في قراءات تخفيف { لمَا } وعلى الاستثناء على قراءة تشديد { لمَّا }. و { مُحْضَرُونَ } نعت لــــ { جَمِيعٌ } على القراءتين. وروعي في النعت معنى المنعوت فألحقت به علامة الجماعة، كقول لبيد
عَرِيتْ وكان بها الجَميع فأبكروا منها وغُودر نُؤيها وثُمامها   
والإِحضار الإِحضار للحساب والجزاء والعقاب.