الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ }

{ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ } أي وما وعده سبحانه من الأمور الآتية أو وعده تعالى بذلك { حَقٌّ } أي كائن هو أو متعلقه لا محالة ففي الكلام تجوز إما في الطرف أو في النسبة. وقرأ الأعرج وعمرو بن فائد { وإذا قيل أن } بفتح الهمزة على لغة سليم { وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا } برفع { ٱلسَّاعَةَ } في قراءة الجمهور على العطف على محل (إن) واسمها على ما ذهب إليه أبو علي وتبعه الزمخشري، ومن زعم أن لاسم (إن) موضعاً جوز العطف عليه هنا، وزعم أبو حيان أن الصحيح أنه لا يجوز كلا الوجهين وعليه فجملة { ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا } عطف على الجملة السابقة. وقرأ حمزة { والساعة } بالنصب عطفاً على اسم (إن) وروي ذلك عن الأعمش وأبـي عمرو وأبـي حيوة وعيسى والعبسي والمفضل. وذكر أمر الساعة وانها لا ريب في وقوعها مع أنها من جملة ما وعد الله تعالى اعتناء بأمر البعث المقصود بالمقام.

{ قُلْتُمْ } لغاية عتوكم: { مَّا نَدْرِى مَا ٱلسَّاعَةُ } أي أي شيء هي استغراباً لها جداً كما يؤذن به جمع { مَّا نَدْرِي } مع الاستفهام. { إِنْ نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً } استشكل ذلك لما أنه استثناء مفرغ وقد قالوا: لا يجوز تفريغ العامل إلى المفعول المطلق المؤكد فلا يقال: ما ضربت إلا ضرباً لأنه بمنزلة ما ضربت إلا ضربت، وقال الرضي: إن الاستثناء المفرغ يجب أن يستثنى من متعدد مقدر معرب بإعراب المستثنى مستغرق لذلك الجنس حتى يدخل فيه المستثنى بيقين ثم يخرج بالاستثناء وليس مصدر نظن محتملاً مع الظن غيره حتى يخرج الظن منه، وكذا يقال في ما ضربت إلا ضرباً ونحوه وهذا مراد من قال: إنه من قبيل استثناء الشيء من نفسه، واختلفوا في حله فقيل: إن معنى ما نظن ما نفعل الظن كما في نحو قيم وقعد وحينئذٍ يصح الاستثناء ويتغاير مورد النفي والإيجاب من حيث التقدير والتجوز في الاستثناء من العام المقدر وجعل { نَّظُنُّ } في معنى الفعل لا نفعل الظن كأنه قيل: ما نفعل فعلاً إلا الظن، وكذا يقال في أمثاله ومنها قول الأعشى:
وحل به الشيب أثقاله   وما اغتره الشيب إلا اغتراراً
/ وارتضاه صاحب «الكشف»، وقيل: ما نظن بتأويل ما نعتقد ويكون { ظَنّاًَ } مفعولاً به أي ما نعتقد شيئاً إلا ظناً، وارتضاه أبو حيان. وتعقب بأن ظاهر حالهم أنهم مترددون لا معتقدون. وأجيب بأن الاعتقاد المنفي لا ينافي ظاهر حالهم بل يقررها على أتم وجه، وقيل المستثنى ظن أمر الساعة والمستثنى منه مطلق الظن كأنه قيل لا ظن ولا تردد لنا إلا ظن أمر الساعة والتردد فيه فالكلام لنفي ظنهم فيما سوى ذلك مبالغة، وقال الرضي: إن ما ضربت إلا ضرباً يحتمل التعدد من حيث توهم المخاطب إذ ربما تقول ضربت وقد فعلت غير الضرب مما يجري مجراه من مقدماته كالتهديد فتدفع ذلك وتقول ضربت ضرباً فهو نظير جاء زيد زيد فلما كان ضربت محتملاً للضرب وغيره من حيث التوهم صار كالمتعدد الشامل للضرب وغيره، وحاصله أن الضرب لما احتمل قبل التأكيد والاستثناء فعلاً آخر حمل على العموم بقرينة الاستثناء فيكون المعنى ما فعلت شيئاً إلا ضرباً، وهكذا { مَا نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً } وهذا كالمتحد مع ما ذكرناه أولاً.

السابقالتالي
2