الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } أي: وليجتهد في العفة الذين لا يجدون نكاحا، أي: أسبابه، أو استطاعة نكاح أي: تزوج. فهو على المجاز، أو تقدير المضاف. أو المراد (بالنكاح) ما ينكح به.

قال الشهاب: فإن (فِعالاً) يكون صفة بمعنى مفعول. ككتاب بمعنى مكتوب. واسم آلة كركاب لما يركب به. وهو كثير. كما نص عليه أهل اللغة. وقوله تعالى: { حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } ترجية للمستعفين وتقدمة وعد بالتفضيل عليهم بالغنى، ليكون انتظار ذلك وتأميله، لطفاً لهم في استعفافهم، وربطاً على قلوبهم. وليظهر بذلك أن فضله أولى بالأعفاء. وأدنى من الصلحاء. وما أحسن ما رتب هذه الأوامر. حيث أمر أوَّلا بما يعصم من الفتنة، ويبعد عن مواقعة المعصية، وهو غض البصر. ثم بالنكاح، الذي يحصن به الدين، وقع به الاستغناء بالحلال عن الحرام. ثم بالحمل على النفس الأمارة بالسوء، وعزفها عن الطموح إلى الشهوة عند العجز عن النكاح، إلى أن يرزق القدرة عليه. أفاده الزمخشري.

تنبيه

قال في (الإكليل): في الآية استحباب الصبر عن النكاح لمن لا يقدر على مؤنته. واستدل بعضهم بهذه الآية على بطلان نكاح المتعة.

ولما أمر تعالى للسادة بتزويج الصالحين من عبيدهم وإمائهم، مع الرق، رغبهم في أن يكاتبوهم إذا طلبوا ذلك، ليصيروا أحراراً، فيتصرفوا في أنفسهم كالأحرار: فقال تعالى:

{ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ } أي: الكتابة { مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ } حرصاً على تحريرهم الذي هو الأصل فيهم، وحبا بتحقيق المساواة في الأخوة الجنسية. والمكاتبة أن يقول السيد: كاتبتك. أي جعلت عتقك مكتوباً على نفسي، بمال كذا تؤديه في نجوم كذا. ويقبل العبد ذلك، فيصير مالكاً لمكاسبه ولما يوهب له، وإنما وجب معه الإمهال، لأن الكسب لا يتصور بدونه. واشترط النجوم لئلا تخلو تلك المدة عن الخدمة وعوضها جميعاً. وقوله تعالى: { إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } أي: كالأمانة، لئلا يؤدوا النجوم من المال المسروق. والقدرة على الكسب والصلاح، فلا يؤذي أحداً بعد العتق. وقوله تعالى: { وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ } أمر للموالي ببذل شيء من أموالهم. وفي حكمه، حط شيء من مال الكتابة. ولغيرهم بإعطائهم من الزكاة إعانة لهم على تحريرهم.

تنبيه

قال في (الإكليل): في الآية مشروعية الكتابة. وأنها مستحبة. وقال أهل الظاهر: واجبة لظاهر الآية. وأن لندبها أو وجوبها، شرطين: طلب العبد لها وعلم الخير فيه. وفسره مجاهد وغيره بالمال والحرفة والوفاء والصدق والأمانة.

ثم نهى تعالى عن إكراه الجواري على الزنا كما اعتادوه في الجاهلية، بقوله سبحانه { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ } أي: إماءكم، فإنه يكني بالفتى والفتاة، عن العبد والأمة، وفي الحديث: " ليقل أحدكم: فتاي وفتاتي، ولا يقل. عبدي وأمتي "

السابقالتالي
2 3