الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

رجوع إلى تهديد المشركين المبدوء من قولهإنا بلوناهم } القلم 17، فالكلام فذلكة وخلاصة لما قبله وهو استئناف ابتدائي. والمشار إليه باسم الإشارة هو ما تضمنته القصة من تلف جنتهم وما أحسوا به عند رؤيتها على تلك الحالة، وتندمهم وحسرتهم، أي مثل ذلك المذكور يَكون العذاب في الدنيا، فقوله { كذلك } مسند مقدم و { العذاب } مسند إليه، وتقديم المسند للاهتمام بإحضار صورته في ذهن السامع. والتعريف في { العذاب } تعريف الجنس وفيه توجيه بالعهد الذهني، أي عذابكم الموعد مثل عذاب أولئك والمماثلة في إتلاف الأرزاق والإِصابة بقطع الثمرات. وليس التشبيه في قوله { كذلك العذاب } مثل التشبيه في قولهوكذلك جعلناكم أمة وسطاً } البقرة 143، ونحوه ما تقدم في سورة البقرة بل ما هنا من قبيل التشبيه المتعارف لوجود ما يصلح لأن يكون مشبهاً به العذابُ وهو كون المشبه به غير المشبه، ونظيره قوله تعالىوكذلك أخْذُ ربّك إذا أخَذَ القرى وهي ظالمة } هود 102 بخلاف ما في سورة البقرة فإن المشبه به هو عين المشبه لقصد المبالغة في بلوغ المشبه غاية ما يكون فيه وجه الشبه بحيث إذا أريد تشبيهه لا يلجأ إلاّ إلى تشبيهه بنفسه فيكون كناية عن بلوغه أقصى مراتب وجه الشبه. والمماثلةُ بين المشبه والمشبه به مماثلة في النوع وإلاّ فإن ما تُوعدوا به من القحط أشد مما أصاب أصحاب الجنة وأطولُ. وقوله { ولعذاب الآخرة أكبر } دال على أن المراد بقوله { كذلك العذاب } عذاب الدنيا. وضمير { لو كانوا يعلمون } عائد إلى ما عاد إليه ضمير الغائب في قولهبلوناهم } القلم 17، وهم المشركون فإنهم كانوا ينكرون عذاب الآخرة فهددوا بعذاب الدنيا، ولا يصح عوده إلىأصحاب الجنة } القلم 17 لأنهم كانوا مؤمنين بعذاب الآخرة وشدته.