الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ }

{ وَإِذْ قُلْنَا } عطفٌ على قوله { اذ قال ربّك } اى اذكر او ذكر حتّى تعلموا انّ جميع ما فى الارض خلق لكم { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ } اى لملائكة الارض على ما ورد فى أخبارنا فانّ مرتبة آدميّة آدم (ع) مسجودة لملائكة الارض او للملائكة جميعاً على ما سبق انّ آدم (ع) بعلويّته مسجودٌ لجميع الملائكة وقد ورد فى أخبارنا انّ الله أمر الملائكة بسجدة آدم (ع) لكون نور محمّدٍ (ص) وعلىٍّ (ع) وعترتهما (ع) فى صلبه { ٱسْجُدُواْ لآدَمَ } السّجدة غاية الخضوع والتّذلّل والانقياد للمسجود، ولمّا كان غاية التّذلّل السّقوط على التّراب عند المسجود صارت السّجدة اسما لسجدة الصّلاة فى الشّريعة والمراد بالسّجدة هاهنا التّذلّل تحت أمر آدم (ع) والتّسخّر له بحيث يكون بالنّسبة الى كلّ منهم اذا أراد شيئاً ان يقول له كن فيكون، وتسخّر الملائكة وسجدتهم لآدم (ع) دون ابليس نظير تسخّر القوى لآدم فى العالم الصّغير دون الوهم الّذى هو الشّيطان فى هذا العالم { فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ } افعيل من أبلس اذا ئيس من رحمة الله او من أبلس اذا تحيّر واضطرب، او من أبلس اذا ندم لانّ فعله فعل ينبغى ان يندم عليه، او من أبلس اذا سكت وانقطع حجّته، وكأنّه لم يستعمل مجرّدة وقيل: انّه اسم أعجمىّ ولذا لم ينصرف { أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ } من قبيل عطف السّبب على المسبّب { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } يعنى انّ فطرته كانت فطرة الكفر والاباء وترك الطّاعة لا انّ الكفر طرأ عليه بعد ان كان مؤمناً؛ اذ قوّة الاباء عن الانقياد كانت ذاتيّة له بحيث لو طرأ الانقياد كما روى " شيطانى أسلم على يدى " كان الانقياد كأنّه عرضىّ عرض له.

تحقيق مراتب العالم وكيفيّة خلق الاجنّة والشّياطين

اعلم انّ الوجود كما مرّ له مراتب؛ مرتبةٌ منه غيبٌ مطلق لا خبر عنه ولا اسم ولا رسم وهو الوجود الذّاتىّ الّذى يخبر عنه بعنوان مقام ظهوره الوجود الذّاتىّ، ومرتبةٌ منه فعل الواجب وظهوره ومعروفيّته وفى تلك المرتبة يظهر تمام صفاته واسمائه؛ وتلك المرتبة باعتبار كونها عنواناً له تعالى بأسمائه تسمّى بالواحديّة، وباعتبار كونها اقتضاءً لايجاد العالم تسمّى بالمشيّة، وباعتبار كونها نفس ايجاد العالم تسمّى بفعله تعالى، وباعتبار كونها جامعة لتمام الاسماء والصّفات بوجودٍ واحدٍ جمعىٍّ تسمّى بالله، وباعتبار كونها مجمعاً لتمام الموجودات بنحو الاحاطة تسمّى بعلىّ (ع)، وبهذين الاعتبارين تسمّى بالعرش والكرسيّ ولها أسماءٌ اُخر غير هذه، ومرتبةٌ منه عالم المجرّدات ذاتاً وفعلا وينقسم الى العقول والارواح المعبّر عنهما فى لسان الشّريعة بالملائكة المهيمنين وبالصّافّات صفّاً، ويسمّيهما الفلاسفة بالعقول الطّوليّة والعقول العرضيّة، وارباب الانواع وارباب الطّلسمات فى اصطلاح حكماء الفرس الّتى قرّرها الشرع عبارة عن العقول العرضيّة، ومرتبةٌ منه عالم المجرّدات فى الذّات لا فى الفعل وتسمّى بالمدبّرات امراً، وينقسم الى النّفوس الكلّيّة والنّفوس الجزئيّة يعنى اللّوح المحفوظ ولوح المحو والاثبات، ومرتبةٌ منه عالم المثال النّازل المعبّر عنه بجابلقا الواقع فى جانب المغرب وفيه صورة كلّ ما فى عالم الطّبع بنحو أعلى واشرف، وظهور المحو والاثبات اللّذين فى النّفوس الجزئيّة فى هذا العالم، والبداء الّذى ذكر فى الاخبار هو فى هذا العالم، وقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3