الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ }

فيه ثلاث عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى: { وَقُلْنَا يَاآدَمُ ٱسْكُنْ } لا خلاف أن الله تعالى أخرج إبليس عند كفره وأبعده عن الجنة، وبعد إخراجه قال لآدم: ٱسكن أي لازم الإقامة وٱتخذها مسكناً، وهو محل السكون. وسَكَن إليه يَسْكُن سكوناً. والسَّكَن: النار قال الشاعر:
قد قُوِّمَتْ بِسَكَنٍ وأدهان   
والسَّكَن: كل ما سُكن إليه. والسِّكين معروف، سُمِّيَ به لأنه يُسَكِّن حركة المذبوح ومنه المِسْكين لقلة تصرّفه وحركته. وسُكّان السفينة عربيّ لأنه يُسَكّنها عن الاضطراب. الثانية: في قوله تعالى: { ٱسْكُنْ } تنبيه على الخروج لأن السُّكْنَى لا تكون ملكاً ولهذا قال بعض العارفين: السكنى تكون إلى مدّة ثم تنقطع، فدخولهما في الجنة كان دخول سُكْنَى لا دخول إقامة. قلت: وإذا كان هذا فيكون فيه دلالة على ما يقوله الجمهور من العلماء: إن من أسكن رجلاً مسكناً له أنه لا يملكه بالسُّكْنَى، وأن له أن يخرجه إذا ٱنقضت مدّة الإسكان. وكان الشعبيّ يقول: إذا قال الرجل داري لك سُكْنَى حتى تموت فهي له حياتَه وموتَه، وإذا قال: داري هذه ٱسكنها حتى تموت فإنها ترجع إلى صاحبها إذا مات. ونَحوٌ من السُّكْنَى العُمْرَى، إلا أن الخلاف في العُمْرَى أقوى منه في السُّكْنَى. وسيأتي الكلام في العُمْرَى في «هود» إن شاء الله تعالى. قال الحَرْبيّ: سمعت ٱبن الإعرابي يقول: لم يختلف العرب في أن هذه الأشياء على مِلْك أربابها ومنافعها لمن جُعلت له العُمْرىَ والرقبى والإفقار والإخبال والمِنحة والعَرِيّة والسُّكْنَى والإطراق. وهذا حجة مالك وأصحابه في أنه لا يملك شيء من العطايا إلا المنافع دون الرِّقاب وهو قول اللَّيْث بن سعد والقاسم بن محمد، ويزيد بن قُسيط. والعُمْرَى: هو إسكانك الرجل في دار لك مدّة عمرك أو عمره. ومثله الرُّقْبَى. وهو أن يقول: إن مُتُّ قبلي رجعتْ إليّ وإن متُّ قبلك فهي لك وهي من المراقبة. والمراقبة: أن يَرقُب كلُّ واحد منهما موتَ صاحبه ولذلك اختلفوا في إجازتها ومنعها، فأجازها أبو يوسف والشافعي، وكأنها وَصِيَّةٌ عندهم. ومنعها مالك والكوفيون لأن كل واحد منهم يقصد إلى عوض لا يدري هل يحصل له، ويتمنى كل واحد منهما موت صاحبه. وفي الباب حديثان أيضاً بالإجازة والمنع ذكرهما ٱبن ماجه في سُننه الأوّل رواه جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العُمْرَى جائزةٌ لمن أُعمِرَها والرُّقْبَى جائزةٌ لمن أُرْقِبهَا " ففي هذا الحديث التسويةُ بين العُمْرَى والرُّقْبَى في الحكم. الثاني رواه ٱبن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا رُقْبَى فمن أُرْقِب شيئاً فهو له حياتَه ومماتَه " قال: والرُّقْبَى أن يقول هو للآخر: مِنِّي ومنك موتا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9