الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }

يخبر تعالى أنهم أهل لأن يعذبهم، ولكن لم يوقع ذلك بهم لبركة مقام الرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، ولهذا لما خرج من بين أظهرهم، أوقع الله بهم بأسه يوم بدر، فقتل صناديدهم، وأسر سراتهم، وأرشدهم تعالى إلى الاستغفار من الذنوب التي هم متلبسون بها من الشرك والفساد. وقال قتادة والسدي وغيرهما لم يكن القوم يستغفرون، ولو كانوا يستغفرون لما عذبوا. واختاره ابن جرير، فلولا ما كان بين أظهرهم من المستضعفين من المؤمنين المستغفرين لوقع بهم البأس الذي لا يرد، ولكن دفع عنهم بسبب أولئك، كما قال تعالى في يوم الحديبيةهُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْىَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَـٰتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } الفتح 25. قال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب عن جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزى قال كان النبي صلى الله عليه وسلمبمكة، فأنزل الله { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } ، قال فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأنزل الله { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، قال وكان أولئك البقية من المسلمين الذين بقوا فيها مستضعفين، يعني بمكة { يَسْتَغْفِرُونَ } فلما خرجوا، أنزل الله { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ } ، قال فأذن الله في فتح مكة، فهو العذاب الذي وعدهم. وروي عن ابن عباس وأبي مالك والضحاك وغير واحد نحو هذا، وقد قيل إن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، على أن يكون المراد صدور الاستغفار منهم أنفسهم، قال ابن جرير حدثنا ابن حميد، حدثنا يحيى بن واضح عن الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة والحسن البصري قالا قال في الأنفال { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، فنسختها الآية التي تليها { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ - إلى قوله - فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } ، فقوتلوا بمكة، فأصابهم فيها الجوع والضر، وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث أبي نميلة يحيى بن واضح. وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج، وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ثم استثنى أهل الشرك، فقال { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } - وقوله - { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي وكيف لا يعذبهم الله، وهم يصدون عن المسجد الحرام، أي الذي بمكة، يصدون المؤمنين الذين هم أهله عن الصلاة فيه والطواف به؟ ولهذا قال { وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ } أي هم ليسوا أهل المسجد الحرام، وإنما أهله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما قال تعالى

السابقالتالي
2 3