الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }

قوله تعالى: { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } أي: لم لا يعذبهم الله بالسيف.

وقال الزمخشري: المعنى: أي شيء لهم من انتفاء العذاب عنهم. يعني: لا حظ لهم في ذلك، { وَهُمْ } [معذبون] لا محالة، وكيف لا يعذبون وحالهم أنهم { يَصُدُّونَ } المؤمنين { عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } ويمنعونهم زيارته والطواف به، { وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ } تكذيبٌ لهم في قولهم: نحن ولاة البيت، { إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ } الذين يتقون الشرك والفواحش، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ } يعني: أهل مكة { لاَ يَعْلَمُونَ } ذلك.

ثم أخبر سبحانه وتعالى عنهم بما يوجب نزع الولاية منهم فقال: { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً } يقال: مَكا يَمْكُو مَكْواً ومُكاء. ومكاء -بالمد والقصر-: إذا جمع يديه وصَفَّرَ فيهما، والتصدية: التصفيق، وهو ضرب اليد على اليد.

قال ابن عمر: كانوا يطوفون بالبيت ويُصَفِّقُونَ ويُصَفِّرُونُ، ويضعون خدودهم بالأرض، فنزلت هذه الآية.

وقال مقاتل: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى في المسجد الحرام، قام رَجُلان من بني عبد الدار عن يمينه يُصَفِّران، ورَجُلان عن شماله يُصَفِّقان، [ليخلطا] على النبي صلى الله عليه وسلم صلاته وقراءته، فقتلهم الله ببدر. فذلك قوله: { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }.

فإن قيل: فما موقع قوله: { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً }؟

قلت: موقع قول الفرزدق:
أَخَافُ زياداً أَنْ يَكُونَ عَطَاؤُهُ   أدَاهِمَ سُوداً أَوْ مُحَدْرَجَةً سُمْرا
وقد سبق إنشاده في موضع آخر.

والأداهم: القيود، والمحدرجة: السياط. أي: أخاف أن يضع الأداهم والمحدرجة موضع العطاء.

وموقع الآخر:
قلت [له] أطعمني عميم تمراً    فكان تمري كهرةً وزيراً
أي: أقام الصياح على مقام التمر.

قال ابن الأنباري: المكاء والتصدية ليست بصلاة، ولكن الله أخبر أنهم جعلوا مكان الصلاة التي أمروا بها المكاء والتصدية، فألزمهم ذلك أعظم الأوزار.

قوله: { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } يريد عذاب السيف وفقد الأحبة، فإنه لم يبق يوم بدر بمكة دار إلا دخلتها مصيبة.