الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }

{ كل نفس ذائقة الموت } برهان على ما يمكن من خلودهم والمراد النفس الناطقة الى هى الروح الانسانية وموتها عبارة عن مفارقتها جسدها اى ذائقة مرارة المفارقة والذوق هذا لا يمكن اجراؤه على ظاهره لان الموت ليس من المطعوم حتى يذاق بل الذوق ادراك خاص فيجوز جعله مجازا عن اصل الادراك والموت صفة وجودية خلقت ضدا للحياة وباصطلاح اهل الحق قمع هوى النفس فمن مات عن هواه فقد حيى. قال الراغب انواع الموت بحسب النواع الحياة الاول ما هو بازاء القوة النامية الموجودة فى الانسان والحيوانات والنبات نحواعلموا ان الله يحيى الارض بعد موتها } والثانى زوال القوة الحساسة نحوويقول الانسان ائذا مامت لسوف اخرج حيا } والثالث زوال القوة العاقلة وهى الجهالة نحوانك لا تسمع الموتى } والرابع الحزن المكدر للحياة نحوويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت } والخامس المنام فقيل النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل وعلى هذا النحو سماه الله تعالى توفيا فقالوهو الذى يتوفاكم بالليل } وقوله { كل نفس ذائقة الموت } عبارة عن زوال القوة الحيوانية وابانة الروح عن الجسد انتهى باجمال. وفى التعريفات النفس هى الجوهر البخارى اللطيف الحامل لقوة الحياة والحسن والحركة الارادية وسماه الحكيم الروح والحيوانى فهى جوهر مشرق للبدن فعند الموت ينقطع ضوؤه عن ظاهر البدن وباطنه فالنوم والموت من جنس واحد لان الموت هو الانقطاع الكلى والنوم هو الانقطاع الناقص. والحاصل انه ان لم ينقطع ضوء جوهر النفس عن ظاهر البدن وباطنه فهو اليقظة وان انقطع عن ظاهره دون باطنه فهو النوم او بالكلية فهو الموت. يقول الفقير يفهم منه ان الموت انقطاع ضوء الروح الحيوانى عن ظاهر البدن وباطنه وهذا الروح غير الروح الانسانى الذى يقال له النفس الناطقة اذ هو جوهر مجرد عن المادة فى ذاته مقارن لها فى فعلها ويؤيده ما فى انسان العيون من ان الروح عند اكثر اهل السنة جسم لطيف مغاير للاجسام ماهية وهيئة متصرف فى البدن حال فيه حلول الدهن فى الزيتون يعبر عنه بانا وانت واذا فارق البدن مات. وقول بعض الروحانيين ايضا ان الله تعالى جمع فى طينة الانسان الروح الملكى النورانى العلوى الباقى ليصير مسبحا ومقصدا كالملك باقيا بعد المفارقة والروح الحيوانى الظلالى السفلى الفانى ليقبل الفناء الذى يعبر عنه بالموت. وقول بعضهم ايضا ذكر النفوس لا القلوب والارواح لانها تتجلى حياة الحق لها فاذا انسلخت الارواح من الاشباح انهدمت جنابذ الهياكل ورجعت الارواح الى معادن الغيب ومشاهدة الرب. قال حضرة شيخى وسندى روح الله روحه فى بعض تحريراته اعلم ان الروح من حيث جوهريته وتجرده وكونه من عالم الارواح المجردة مغاير للبدن متعلق به تعلق التدبير والتصرف قائم بذاته غير محتاج اليه فى بقائه ودوامه ومن حيث ان البدن صورته ومظهر كمالاته وقواه فى عالم الشهادة محتاج اليه غير منفك عنه بل سارى فيه لا كسريان الحلول المشهور عند اهل النظر بل كسريان الوجود المطلق الحق فى جميع الموجودات فليس بينهما مغايرة من كل الوجوه بهذا الاعتبار ومن علم كيفية ظهور الحق فى الاشياء وان الاشياء من أى وجه عينه ومن اى وجه غيره يعلم كيفية ظهور الروح فى البدن وانه من أى وجه عينه ومن أى وجه غيره لان الروح رب بدنه ويتحقق له ما ذكرنا وهو الهادى الى العلم والفهم انتهى كلام الشيخ قدس سره وهو العمدة فى الباب فظهر ان اطلاق النفس على الروح الانسانى انما هو لتعينه بتعين الروح الحيوانى فهو المفارق فى الحقيقة فافهم جدا.

السابقالتالي
2 3 4