الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ }

آية النّور

{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } اعلم انّ الله كما سبق مكرّراً اسم للذّات الواجب الوجود باعتبار مقام ظهوره الّذى هو مقام المشيّة وهى اضافته الاشراقيّة الى الاشياء وهى فعله وفيضه ونوره المنبسط على جميع الاشياء وبها يخرج الاشياء من اللّيس المحض الى الايس، ومن العدم الى الوجود، ومن الظّلمة الى النّور، ومن الخفاء الى الظّهور، وانّ الذّات الاحديّة بدون هذا العنوان غيب محض لا اسم له ولا رسم ولا خبر عنه ولذلك سمّى فى الاخبار بالعمى، وقد فسّر الله تعالى فى الآيات بسائر مظاهره من الانبياء والاولياء (ع) فانّه فسّر الكفر والشّرك بالله تعالى فى الاخبار بالكفر والشّرك بخلفائه، وانّ النّور اسم للضّياء سواء كان ضياء الشّمس او القمر او سائر الكواكب، وسواء كان ضياء النّار والسّراج او الجواهر او غيرها، او هو اسم لشعاع الضّياء، او هو اعمّ وقد نار نوراً وانار واستنار ونوّر وتنوّر كلّها بمعنى اضاء الّلازم، وجاء انار ونوّر متعدّيين ايضاً، والنّور اسم لمحمّد (ص) او نبوّته او رسالته او ولايته او اسم لعلىّ (ع) او خلافته او ولايته، وقد يطلق على الّذى يبيّن الاشياء مطلقاً ضياءً وشعاعاً كان، او دليلاً وبرهاناً، او علامة وآثاراً، وبهذا المعنى يطلق على الكتب السّماويّة والخلفاء الالهيّة، وقد يطلق على الهدى وما به الهدى وبهذا المعنى ايضاً يكون الكتب السّماويّة والرّسالات والنّبوّات والولايات والاقوال والافعال والاحوال والاخلاق الحسنة كلّها انواراً وانّه لا اختصاص للاسماء بمصاديقها العرفيّة بل المعتبر فى صدقها هى المعانى المطلقة الحاصلة فى جميع العوالم وجميع المراتب من دون اعتبار خصوصيّة من خصوصيّات المصاديق والعوالم فيها، فانّ النّور اسم للظّاهر بذاته من دون وساطة امرٍ آخر المظهر لغيره، والنّور العرضىّ الّذى لا يبقى آنين وليس ظاهراً الاّ على الابصار ولا يكون ظهوره على الابصار الاّ بعد اجتماعه فى سطحٍ كثيفٍ غليظٍ لا ينفذ فيه ولا يظهر الاّ السّطوح والالوان والاشكال ولا يُظهر الاّ على الابصار دون سائر المدارك احد مصاديقه من دون اعتبار تلك الخصوصيّات فى صدقه، بل نقول: معنى الظّاهر بذاته المظهر لغيره ليس حقيقةً الاّ لحقيقة الوجود الّذى هو واجب لذاته وموجب لغيره، وامّا سائر الانوار العرضيّة والحقيقيّة الّتى هى وجودات الاشياء وانوار الرّسالة والنّبوّة والولاية والهداية فهى وان كانت بوجهٍ ظاهرةً بذواتها بمعنى انّه لا حاجة لها الى نورٍ آخر تظهر هى به لكنّها محتاجة الى علّة تخرجها وتظهرها والى ما تقع عليه من سطوح المهيّات والصّدور والقلوب والارواح ومن سطوح الاجسام المادّيّات فهى ليست فى الحقيقة ظاهرة بذواتها، وانّ السّماوات لا اختصاص لها بالافلاك الطّبيعيّة والكرات العلويّة بل كلّما كان فيه جهة علوّ وفاعليّة بالنّسبة الى ما دونه فهو سماء بالنّسبة اليه فالعقول الكلّيّة الطّوليّة والعرضيّة والنّفوس الكلّيّة والجزئيّة والافلاك الطّبيعيّة كلّها سماوات، والارض اسم لما له تسفّلٌ وقبول ولا اختصاص لاسم الارض بالارض الغبراء بل عالم الطّبع بشراشره وعالما المثال السّفلىّ والعلوىّ كلّها ارض، وقد مضى فى اوّل سورة الانعام وجه جمع السّماوات وافراد الارض وانّ السّماء والارض اسمان للموجود منهما الممتاز بتعيّن السّماوىّ والارضىّ او اسمان لنفس مهيّاتهما من دون اعتبار الوجود معها فعلى هذا صحّ ان يقال فى بيان الآية: انّ الله ذو نور السّماوات والارض موافقاً لما نسب الى امير المؤمنين (ع) انّه قرء: { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } على صيغة الماضى من التّفعيل سواء اريد من النّور النّور المحسوس العرضىّ او الوجود، او الهدى وصحّ ان يقال: انّ الله مبيّن السّماوات والارض ومخرجهما من خفاء العدم الى الوجود، وصحّ ان يقال: انّ الله وجود السّماوات والارض سواء اريد منه وجود وجودهما على ان يراد من السّماوات والارض الموجودان منهما واعتبر قيد الحيثيّة فى اضافة النّور اليهما او اريد منه نفس وجودهما، فانّ الله باعتبار مقام ظهوره الّذى هو المشيّة قوام وجودات الاشياء وفاعلها وروحها بوجهٍ ونفس وجودات الاشياء بوجهٍ كما انّ الفصول فاعل وجودات الاجناس وقوامها بوجه اخذها بشرط لا، ونفس وجوداتها بوجه اخذها لا بشرطٍ، فانّ فعل الحقّ الّذى هو المشيّة هو صورة الاشياء وقوامها وفاعلها، وصحّ ان يقال انّ الله بحسب مظهره الّذى هو العقل الكلّىّ او الرّوح الكلّىّ الّذى هو ربّ النّوع الانسانىّ نور السّماوات والارض بالوجوه المذكورة او بحسب مظهره الّذى هو النّفس الكلّيّة او بحسب مظهره الّذى هو عالم المثال نور السّماوات والارض او بحسب مظاهره الّذين هم انبياؤه واولياؤه (ع) هدى اهل السّماوات والارض او مبيّنون لاهل السّماوات والارض او بحسب مظاهره الّتى هى لطائف الولاية، والنّبوّة والرّسالة نور السّماوات والارض فى العالم الكبير او فى العالم الصّغير بالوجوه السّابقة او بحسب مظاهره الّتى هى الارواح والعقول والقلوب والنّفوس البشريّة والنّفوس الحيوانيّة نور السّماوات والارض فى العالم الصّغير بالوجوه السّابقة، او بحسب مظهره الّذى هو ضياء الشّمس نور السّماوات والارض الطّبيعيتين بالمعنى المدرك لكلّ احدٍ، او بحسب مظهره الّذى هو مثال اوليائه الظّاهر فى صدور السّالكين نور السّماوات والارض فى العالم الصّغير ان لم يكن ذلك المثال قويّاً على انارة خارج عالم السّالك، او فى العالم الصّغير والكبير ان صار المثال قويّاً على انارة الخارج ايضاً، والى هذا الوجه اشار العارف الرّبّانىّ قدّس سرّه بقوله:

السابقالتالي
2 3 4 5