الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ }

{ فازلهما الشيطان عنها } اى اذهب آدم وحواء وابعدهما عن الجنة يقال زل عنى كذا اذا ذهب والازلال الازلاق والزلة بالفتح الخطأ وهو الزوال عن الصواب من غير قصد والمقصود حملهما على الزلة بطريق التسبب وهو بالوسوسة وبالغرور والدعاء. فان قلت ابليس كافر والكافر لا يدخل الجنة فكيف دخل هو. قلت منع من الدخول على وجه التكرمة كما يدخلها الملائكة ولم يمنع من الدخول للوسوسة ابتلاء لآدم وحواء { فاخرجهما مما كان فيه } من النعيم والكرامة ولم يقصد ابليس اخراج آدم من الجنة وانما قصد اسقاطه من مرتبته وابعاده كما ابعد فلم يبلغ مقصده قال الله تعالىفتاب عليه وهدى } طه 122. قال الشيخ صدر الدين قدس سره فى الفكوك لما سمع آدم قول ابليسما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين } الأعراف 20 صدقه هو وزوجته. وهذه القضية تشتمل على امرين مشكلين لم ار احدا تنبه لهما ولا اجابنى احد من اهل العلم الظاهر والباطن عنهما وهو انه عليه السلام بعد سجود الملائكة له باجمعهم ومشاهدة رجحانه عليهم بذلك وبعلم الاسماء والخلافة ووصية الحق له كيف اقدم على المخالفة وتسوف بقول ابليس الا ان تكونا ملكين وكيف لم يعلم ايضا من دخل الجنة المعرفة بلسان الشريعة لم يخرج منها وان النشأة الجنانية لا تقبل الكون والفساد فهى لذاتها تقتضى الخلود وكان هذه الحال تدل دلالة واضحة على ان الجنة التى كان فيا ليست الجنة التى عرضها السموات والارض والتى ارضها الكرسى الذى هو الفلك الثامن وسقفها عرش الرحمن فان تلك الجنة لا يخفى على من دخلها انها ليست محل الكون والفساد ولا ان يكون نعيمها موقتا ممكن الانقطاع فان ذلك المقام يعطى بذاته معرفة ما تقتضيه حقيقته وهو عدم انقطاع نعيمها بموت او غيره كما قال الله تعالىعطاء غير مجذوذ } هود 108 اى غير منقطع والمتناه فافهم فحال آدم وحواء فى هذه القضية كحال بنى اسرائيل الذين قال الله فى حقهمأتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم } البقرة 61 الآية. ولهذه المناسبة والمشاركة اردف الحق قصة آدم فى سورة البقرة بقصة موسى وبنى اسرائيل مع ما بينهما من طول المدة فراعى سبحانه فى ذلك المضاهاة فى الفعل والحال دون الزمان فهذا من اسرار القرآن انتهى كلام الشيخ * فان قلت ما الحكمة فى ان الله تعالى لم يخلق الانسان فى الجنة ابتداء ولم ابتلاه بالخروج الى الدنيا. قلت تعظيم النعم على العباد واجب فلو لم يخلقوا فى الدنيا ابتداء ما عرفوا قدر الجنة وقيل ليكونوا فى الجنة على الجزاء لا على الابتداء وليأمنوا الزوال وقيل خلقنا فى الدنيا ليميز الله الخبيث من الطيب والمطيع من المخالف لاقتضاء الصفات الجلالية لان الجنان ليست من مظاهر الجلال ولو خلقنا وبقينا فى الجنة لما ظهر فينا صفات الجلال كما لم تظهر فى الملك فالحكمة الآلهية اقتضت خلق الانسان فى الدنيا وظهور المخالفة منه ليظهر فيه الرحمة والغفران فلو بقى آدم فى الجنة لفاته نصف الكمال الذى هو التجليات القهرية فخرج ليتحقق بمظاهر اسماء الجمال والجلال ثم يرد على عالم الجنان كاملاً مكملاً بانواع الفضائل والكمالات والمقصود ايضاً كما سبق تميز الخبيث من الطيب وقد قدر الله تعالى ان يخرج من صلبه سيد المرسلين صلى الله تعالى عليه وسلم واخوانه من الانبياء والاولياء والمؤمنين وخمر طينته بتراب كل مؤمن وعدو فاخرجه الى الدنيا ليخرج من ظهره الذين لا نصيب لهم فى الجنة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6