وكيف تطلب إيمانهم وتتوقع هدايتهم أيها الرسول الداعي مع أن الداعي { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ } الدعوة عن رضا، ويلقون السمع وقلوبهم حاضرة يفهمها، وهم في أنفسهم طالبون الحياة الحقيقية { وَ } هؤلاء ليسوا من الطالبين بل هم { ٱلْمَوْتَىٰ } حقيقة وإن كانوا أحياء صورة { يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ } في يوم الحشر ويحييهم بالحياة الحقيقية حتى يطلعوا على ما فاتهم في الحياة الصورية، ولا تنفعنم تلك الحياة والإطلاع إلى الحسرة والندامة على ما فات عنهم في دار العمل والاختبار { ثُمَّ } بعدما أحياهم وأطلعهم، { إِلَيْهِ } لا إلى غيره { يُرْجَعُونَ } [الأنعام: 36] يساقون لجزاء ما عملوا في الدنيا من تكذيب الآيات والرسل والاستهزاء معهم والذب عنهم. { وَ } من غاية بغضهم وعنادهم وبغضهم معك يا أكمل الرسل { قَالُواْ } أي: بعضهم لبعض: إن كان محمد صلى الله عليه وسلم نبياً { لَوْلاَ } هلا { نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } أي: آية اقترحناها منه وآية تلجئنا إلى الإيمان به أو آية تستأصلنا بالمرة مع أن دعواه أن ربه يقوى ويقدر على جميعها { قُلْ } لهم: { إِنَّ ٱللَّهَ } المتعزز برداء العظمة والكبرياء { قَادِرٌ } بالقدرة التامة الكاملة { عَلَىٰ أَن يُنَزِّلٍ آيَةً } من آية اقترحتموها متى تعلقت إرادته ومشيئته { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [الأنعام: 37] أن الله فعال لما يريد، وأن الله لو أنزلها نزل عقبها عليهم البلاء كما نزل على الأمم الماضية. { وَ } كيف لا يقدر سبحانه على جميع المرادات المقدروات مع أنه { مَا مِن دَآبَّةٍ } تتحرك { فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ } في الجو { بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } محفوظة أحوالها وأرزاقها وآجالها عندنا؛ بحيث لا نهمل شيئاً من حوائجهما، بل نكتب ونثبت في لوحنا المحفوظ وكتابنا المبين على الفضيل بحيث { مَّا فَرَّطْنَا } وأفرطنا { فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ } من حوائجهم وأحوالهم { ثُمَّ } بعدما حفظوا ورزقوا كل منهم { إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } [الأنعام: 38] يرجعون رجوع الظل إلى ذي الظل. { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } الدالة على قدرتنا الكاملة { صُمٌّ } عن استماع كلمة الحق من ألسنة الرسل { وَبُكْمٌ } عن التنطق بها مع أنهم تيقنوا بها بل هم مغمورون { فِي ٱلظُّلُمَاتِ } أي: الحجب الناشئة من هوياتهم الباطلة وهياكلهم الفاسدة العاطلة { مَن يَشَإِ ٱللَّهُ } إضلاله بمقتضى اسمه المذل المضل { يُضْلِلْهُ } حتماً بلا هداية وإرشاد أصلاً { وَمَن يَشَأْ } هدايته { يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الأنعام: 39] موصل إلى توحيده؛ إذ كل من عنده ميسر موفق لما خلق له.