الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ ودَخَل مَعَه السِّجْن } خادمان للملك، قال بعض هما عبدان له غير حرين، اتفق دخولهما ودخول يوسف بوقت واحد، كما تدل عليه لفظة مع، فإنها للصحبة، وقد تستعمل بمعنى جميع، والغالب دخولها على الفاضل كما هنا، وكما فى قولك جاء الجند مع الأمير، وتدخل مع المفضول. والفتيان صاحب شراب الملك، وصاحب طعامه، سمع الملك أنهما يريدان أن يسماه فسجنهما وهو الملك الأكبر ريان بن الوليد العملقى، واسم صاحب الشراب بنوى، واسم صاحب الطعام مجلة، وذلك أن جماعة من أهل مصر أرادوا المكر بالملك واغتياله، فأتوهما وضمنوا لهما مالا على أن يسماه فى طعامه وشرابه، فأجابوا إلى ذلك، ثم ندم الساقى، وقبل صاحب الطعام الرشوة، فسم الطعام، فلما حضر وقت الطعام قال الساقى أيها الملك لا تأكل الطعام فإنه مسموم، وقال الخباز أيها الملك لا تشرب فإن الشراب مسموم، وكان لم يلق فى الشراب سم. وروى أنه جعله بين أصبعيه ليلقيه فندم، فطرحه فى غير الماء، فقال الملك للساقى اشرب فشرب فلم يضره، وقال للخباز كل من طعامك فأبى فجرب ذلك الطعام فى دابة فهلكت من حينها. ورواية السدى أن الملك اتهمهما بأن الخباز منهما أراد أن يسمه ووافقه الساقى فسجنهما، قال فى زهر الأكمام إن قوما من أهل مدين ضموا لهما مالا على أن يسماه فقبلا، وانتهى خبرهما إلى الملك، وكان الساقى فطنا كيسا، راجع عقله وقال لا أعجل بإلقاء السم فلعل الملك قد يسمع فيأمرنى أن أشرب، فإن لم أشرب افتضحت، وإن شربت مت، فجعل السم بين ظفرين من أظافره، وقال إن بلغه ذلك وأمرنى أن أشربه شربت، وإن لم يبلغه وأمرنى أن أناوله شرابه جعلت السم فيه. وأما صاحب الطعام فلم يدبر شيئا فألقى فيه السم، فلما قدم الساقى الشراب قال له اشرب فشرب، ورمى السم من يده، ولما قدم الخباز طعامه المسموم قال له كل ما قدمت إلى، فتغير لونه واضطربت مفاصله، واصطكت ركبتاه، وامتنع أن يأكل، فدعا الملك بسنور وأمر بتقديم الطعام إليه فأكله فهوى من ساعته، وانتفخ وانتثر، وتحقق الملك خيانته، وارتاب فى صاحب الشراب فسجنهما معا ليرى رأيه فيهما. { قالَ } ليوسف بعد استقرارهما فى السجن { أحدُهُما } وهو ساقيه { إنِّى } وسكن الياء غير نافع وأبى عمرو { أرانى } سكنها غيرهما وغير ابن كثير، أى أرى نفسى فى المنام، والرؤيا الحلمية يجوز أن تعمل فى ضميرين متصلين مرجعهما واحد كالرؤية العلمية والظنية، وقد عملت الحلمية هنا فى الضمير المستتر وفى الياء. { أعْصِرُ خَمراً } أى أعصر عنبا وسماه خمرا، لأنه يئول بعد العصر خمرا، فهو مجاز مرسل، وعلاقته الأول وهذا هو المشهور فى كتب المعانى والبيان وغيرها، ويجوز أن يكون أعصر مضمنا معنى أستخرج، فالتجوز على هذا فى أعصر لا فى خمرا، وقيل ذلك بلغة أزد عمان، وكانوا يسمون العنب خمرا، وعليه فلا مجاز، وقرأ ابن مسعود أعصر عنبا، ويحتمل أن تكون قراءة تفسير، والمضارعان فى أرانى أعصر خمرا حكاية حال ماضية، كان الساقى حال إخباره يوسف بذلك ملبس بالرؤيا والعصر للخمر.

السابقالتالي
2 3