الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }

قيل: { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ }: أي من كان له عقل. وقيل: قلب حاضر. ويقال قلبٌ على الإحسان مُقْبِل. ويقال: قَلْبٌ غيرُ قُلَّب.

{ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ }: استمع إلى ما يَنادى به ظاهرُه من الخَلْق وإلى ما يعود إلى سِرِّه من الحق. ويقال: لمن كان له قلبٌ صاح لم يَسْكر من الغفلة. ويقال: قلبٌ يعد أنفاسَه مع الله. ويقال: قلبٌ حيٌّ بنور الموافقة. ويقال: قلبٌ غيرُ مُعْرِضٍ عن الاعتبار والاستبصار.

ويقال: " القلبُ - كما في الخبر - بين إصبعين من أصابع الرحمن ": أي بين نعمتين؛ وهما ما يدفعه عنه من البلاء، وما ينفعه به من النَّعماء، فكلُّ قلب مَنَعَ الحقُّ عنه الأوصافَ الذميمَةَ وأَلْزَمَه النعوتَ الحميدةَ فهو الذي قال فيه: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ }.

وفي الخبر: " إن لله أوانيَ ألاَ وهي القلوب، وأقربها من الله مارقَّ وصفا " شبَّه القلوب بالأواني؛ فقلبُ الكافرِ منكوسٌ لا يدخل فيه شيء، وقلبُ المنافقِ إناء مكسور، ما يُلْقى فيه من أوَّله يخرج من أسفله، وقلبُ المؤمنِ إناءٌ صحيح غير منكوس يدخل فيه الإيمانُ ويَبْقَى.

ولكنَّ هذه القلوبَ مختلفةٌ؛ فقلبٌ مُلَطَّخٌ بالانفعالات وفنون الآفات؛ فالشرابُ الذي يُلْقَى فيه يصحبه أثر، ويتلطخ به.

وقلبٌ صفا من الكدورات وهو أعلاها قَدْراً.