الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }

قوله تعالى { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } اثبت الله سبحانه رؤية انوار رحمته الازلية وسناء الكبرياء والعظمة وظهور قهر جبارية لمن له قلب وله القاء السمع وله شهود السر والقلب عبارة عن نقطة دائرة الفطرة القدسية التى خلقها الله من نور فعله الخاص وهو يتجلى لها من نور صفته ونور ذاته وهناك لطيفة الكبرى وهى سر النقطة حولها دائرة العقل وراء الدائرة حواشى فعله القى تحتها سر الصفات ثم تحت ذلك السر ظهور الذات لها فهو بذاته وصفاته حافظ فعله الخاص اليس ستر الفعل العام على غاشيتها وحولها عالم الملك والشهادة وباطنها كشف الصمدية وجلال الازلية وبينها وبين الحق لم يبق حجاب امتناع قدمه عن احاطتها وذلك الكشف والعيان من بدو وجودها الى ابد الابد لا ينقطع لذلك قال الشبلى وقتي مسرمد وتجرى بلا شاطئ سقط عنها اعداد التجلى اذ لم يبق بين الحق وبينها جريان الحوادث ولتلك اللطيفة عيون واسماع اذ كل وجوها سمع وبصر فجميع سمعها وبصرها مشغولة بخطاب الله ورؤيته فالقت سمعها الاصوات وصلة الازلية وشهدت ابصارها بمشاهدة القديم ثم نورث الهيكل بالحضور والخدمة وطلب مزيد الصفاء والقربة وجعلتها مركب سيرانها وطيرانها الى عالم الملكوت ورأت من روزنه البصر ما رأت بلا واسطة وسمعت بسمع الظاهر ما سمعت بلا وسيلة فاذا راى صاحب هذا القلب شيئا من عجايب صنعه صار خاضعاً لعظمته خاشعاً لهيبته مطيعا لامره جعلنا الله واياكم من اصحاب القلوب واقر عيوننا بانوار الغيوب قال الحسين لمن كان له قلب لا يخطر فيه الا شهود الرب وقال ابن عطا قلب لاحظ الحق بعين التعظيم فذاب له وانقطع اليه عما سواه وقال الواسطى ذكرى لقوم واحد لا لسائر الناس كان له القلب فى الازل وهم الذين قال الله او من كان ميتا فاحييناه وقال القاسم هم الانبياء فان الله خلقهم للمشاهدة يشهدون له بقلوبهم عند اقبالهم وادبارهم بانه المنشئ والمبدئ والمعيد قال الحسين بصائر المبصرين ومعارف العارفين ونور العلماء الربانيين وطرق السابقين الناجين والازل والابد ما بينهما من الحدث غيره لمن كان له قلب او القى السمع وقال ابن عطا هو القلب الذى لاحظ الحق فيشاهده ولا يغيب عنه خطرة ولا فترة فيسمع به بل يسمع منه ويشهد به بل يشهده فاذا لاحظ القلب الحق بعين التخويف رعب وارتعد وهاب واذا طالعه بعين الجمال والجلال هَدَأ واستقر وقال قلب لاحظ الحق بعين التعظيم فذاب وانقطع اليه عما سواه واذا لاحظ القلب الحق بعين التعظيم لان وحسن وقال بندار بن الحسين القلب مضغة وهو محل الانوار ومورد الزوائد من الجبار وبها يصح الاعتبار جعل الله القلب للجسد اميراً وقال ان فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب ثم جعله لربه اسيرا فقال يحول بين المرء وقلبه وقال جعفر إذا هم القلب عوقب على المكاره ولا يعرفه لا العلماء بالله وقال الصبيحى خاطب اصحاب القلوب لان القلوب فى قبضة الحق يقلبها كيف يشاء وسعها وصفاها من البين ونقاها وشرحها وفسحها ثم حشاها بمودته وايمانه ويقينه ولذلك خاطب القلوب بخصائص ما اودع فيها وقال بعضهم للقلوب مراتب فقلوب فى قبضة الحق ماسورة وبكشفه مسرورة وقلوب المحبين اليه والهة فقلوب طائرة بالشوق اليه وقلوب هاجت بالشغف هيمانا وقلوب اعتقدت فيه الامال وقلوب الى ربها ناظرة وقلوب تبكى من الفراق وشدة الاشتياق وقلوب ضاقت فى دار الفناء وسمت الى دار البقاء وقلوب خاطبها فى سرها فزال عنها مرأة الاوجاع وقلوب سارت اليه بهمتها وقلوب صدرت اليه بعزائم صدقها وقلوب تقدمت بخدمته فى الخلوات وقلوب مرّت فى الهدايات واتبعت من الله العناية وقلوب شرب بكأس الوداد فاستوحشت من جميع العباد وقلوب ساقت فى الطريق اليه وقلوب انقطعت بالكلية اليه فهذه مراتب القلوب فى السلوك والقصد فهو متبع قصده.