الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ }

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِش } الآية.

قرأ هذا الحرف حمزة والكسائي (كبير الإثم)، بكسر الباء بعدها ياء ساكنة وراء على صيغة الإفراد.

وقرأه الباقون بفتح الباء بعدها ألف فهمزة مكسورة قبل الراء على صيغة الجمع.

وقوله { والذين }: في محل جر عطفاً على قوله:وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [الشورى: 36] أي وخير وأبقى أيضاً للذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش.

والفواحش جمع فاحشة. والتحقيق إن شاء الله أن الفواحش من جملة الكبائر.

والأظهر أنها من أشنعها، لأن الفاحشة في اللغة: وهي الخصلة المتناهية في القبح، وكل متشدد في شيء مبالغ فيه فهو فاحش فيه.

ومنه قول طرفة بن العبد في معلقته:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي   عقيلة مال الفاحش المتشدد
فقوله: الفاحش أي المبالغ في البخل المتناهي فيه.

وما تضمنته هذه الآية الكريمة من وعده تعالى الصادق للذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش بما عنده لهم من الثواب الذي هو خير وأبقى، جاء موضحاً في غير هذا الموضع، فبين تعالى في سورة النساء أن من ذلك تكفيره تعالى عنهم سيئاتهم، وإدخالهم المدخل الكريم وهو الجنة في قوله تعالىإِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً } [النساء: 31]، وبين في سورة النجم أنهم باجتنابهم كبائر الإثم والفواحش، يصدق عليهم اسم المحسنين ووعدهم على ذلك بالحسنى.

والأظهر أنها الجنة، ويدل له حديث " الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم " في تفسير قوله تعالى:لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَة } [يونس: 26] كما قدمناه.

وآية النجم المذكورة هي قوله تعالىوَيِجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } [النجم: 31] ثم بين المراد بالذين أحسنوا في قولهٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ } [النجم: 32].

وأظهر الأقوال في قوله: إلا اللمم، أن المراد باللمم صغائر الذنوب، ومن أوضح الآيات القرآنية في ذلك قوله تعالى:إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْه } [النساء: 31] الآية. فدلت على أن اجتناب الكبائر سبب لغفران الصغائر، وخير ما يفسر به القرآن، القرآن.

ويدل لهذا حديث ابن عباس الثابت في الصحيح: قال ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تمني وتشتهي والفرج يُصَدِّقُ ذلك أو يكذبه ".

وعلى هذا القول فالاستثناء في قوله إلا اللمم منقطع، لأن اللمم الذي هو الصغائر على هذا القول لا يدخل في الكبائر والفواحش، وقد قدمنا تحقيق المقام في الاستثناء المنقطع. في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى

السابقالتالي
2 3