الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قرأ جمهور القراء " والسارقُ والسارقةُ " بالرفع، وقرأ عيسى بن عمر وإبراهيم بن أبي عبلة " والسارقَ والسارقَةَ " بالنصب، قال سيبويه رحمه الله الوجه في كلام العرب النصب كما تقول زيداً اضربه، ولكن أبت العامة إلا الرفع يعني عامة القراء وجلهم، قال سيبويه الرفع في هذا وفي قوله:الزانية والزاني } [النور:2] وفي قول الله:واللذان يأتيانها منكم } [النساء:16] هو على معنى فيما فرض عليكم. والفاء في قوله تعالى: { فاقطعوا } ردت المستقل غير مستقل، لأن قوله فيما فرض عليكم السارق جملة حقها وظاهرها الاستقلال، لكن المعنى المقصود ليس إلا في قوله: { فاقطعوا } فهذه الفاء هي التي ربطت الكلام الثاني بالأول وأظهرت الأول هنا غير مستقل، وقال أبو العباس المبرد وهو قول جماعة من البصريين، اختار أن يكون " والسارقُ والسارقةُ " رفعاً بالابتداء لأن القصد ليس إلى واحد بعينه فليس هو مثل قولك، زيداً فاضربه إنما هو كقولك من سرق فاقطع يده، قال الزجاج وهذا القول هو المختار.

قال القاضي أبو محمد: أنزل سيبويه النوع السارق منزلة الشخص المعين، وقرأ عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي " والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم " ، وقال الخفاف: وجدت في مصحف أبي بن كعب " والسُّرَّق والسُّرَّقة " هكذا ضبطا بضم السين المشددة وفتح الراء المشددة فيهما هكذا ضبطهما أبو عمرو.

قال القاضي أبو محمد: ويشبه أن يكون هذا تصحيفاً من الضابط لأن قراءة الجماعة إذا كتب " السارق " بغير ألف وافقت في الخط هذه، وأخذ ملك الغير يتنوع بحسب قرائنه، فمنه الغصب وقرينته علم المغصوب منه وقت الغصب أو علم مشاهد غيره، ومنه الخيانة وقرينتها أن الخائن قد طرق له إلى المال بتصرف ما ومنه السرقة وقرائنها أن يؤخذ مال لم يطرق إليه على غير علم من المسروق ماله وفي خفاء من جميع الناس فيما يرى السارق، وهذا هو الذي يجب عليه القطع وحده من بين أخذة الأموال لخبث هذا المنزع وقلة العذر فيه، وحاط الله تعالى البشر على لسان نبيه بأن القطع لا يكون إلا بقرائن، منها الإخراج من حرز، ومنه القدر المسروق على اختلاف أهل العلم فيه، ومنها أن يعلم السارق بتحريم السرقة، وأن تكون السرقة فيما يحل ملكه، فلفظ { السارق } في الآية عموم معناه الخصوص، فأما القدر المسروق فقالت طائفة لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً, قال به عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي وعائشة وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي والليث والشافعي وأبو ثور، وفيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " القطع في ربع دينار فصاعداً " وقال مالك رحمه الله: تقطع اليد في ربع دينار أو في ثلاثة دراهم، فإن سرق درهمين وهي ربع دينار لانحطاط الصرف لم يقطع وكذلك العروض لا يقطع فيها إلا أن تبلغ ثلاثة دراهم قطع فيها قل الصرف أو كثر، وفي القطع قول رابع وهو أن لا قطع إلا في خمسة دراهم أو قيمتها، روي هذا عن عمر، وبه قال سليمان بن يسار وابن ابي ليلى وابن شبرمة، ومنه قول أنس بن مالك: قطع أبو بكر في مجنّ قيمته خسمة دراهم.

السابقالتالي
2 3