الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

وقوله { والسارق والسارقة } قال سيبويه الأجود فيه النصب ومثله { الزانية والزاني }. وبالنصب قرأ عيسى بن عمر وهو بخلاف ما عليه القراء لا يجوز أن يقرأ به والوجه الرفع. ومثله { اللذان يأتيانها منكم فآذوهما }.

ويحتمل رفعهما شيئين:

أحدهما - قال سيبويه إِنه على تفسير فرض فيما يتلى عليكم حكم السارق والسارقة. ومنهواللذان يأتيانها منكم } الثاني - قال المبرد والفراء لأن معناه الجزاء وتقديره من سرق فاقطعوه، وله صدر الكلام. وقال الفراء ولو أردت سارقاً بعينه لكان النصب الوجه ويفارق ذلك قولهم زيداً فاضربه، لأنه ليس فيه معنى الجزاء.

وظاهر قوله { والسارق والسارقة } يقتضي عموم وجوب القطع على كل من يكون سارقاً أوسارقة، لأن الألف واللام إِذا دخلا على الاسماء المشتقة أفادا الاستغراق إِذا لم يكونا للعهد دون تعريف الجنس - على ما ذهب اليه قوم -. وقد دللنا على ذلك في أصول الفقه. فأما من قال القطع لا يجب إلا على من كان سارقاً مخصوصاً من مكان مخصوص مقداراً مخصوصاً وظاهر الآية لا ينبئ عن تلك الشروط، فيجب أن تكون الآية مجملة مفتقرة الى بيان، فقوله فاسد لأن ظاهر الآية يقتضي وجوب القطع على كل من يسمى سارقاً وإِنما يحتاج الى معرفة الشروط ليخرج من جملتهم من لا يجب قطعه فأما من يجب فانا نقطعه بالظاهر، فالآية مجملة فيمن لا يجب قطعه دون من يجب قطعه فسقط ما قالوه.

وقوله { فاقطعوا أيديهما } أمر من الله بقطع أيدي السارق والسارقة.

والمعنى ايمانهما. وإنما جمعت أيدي لأن كل شيء من شيئين، فتثنيته بلفظ الجمع كما قال - عز وجل -:فقد صغت بكما } وقال الفراء كلما كان في البدن منه واحد فتثنيته بلفظ الجمع لأن أكثر أعضائه فيه منه اثنان، فحمل ما كان فيه الواحد على مثل ذلك، فقيل قلوبهما وظهورهما. كما قيل عيونهما وأيديهما. وقال الفراء إِنما فعلوا ذلك للفصل بين ما في البدن منه واحد وبين ما في البدن منه اثنان، فجعل ما في البدن منه واحد تثنيته وجمعه بلفظ واحد ولم يثن أصلا، لأن الاضافة تدل عليه، ولأن التثنية جمع، لأنه ضم شئ الى شئ. وإِن ثني جاز قال الشاعر:
ظهراهما مثل ظهور الترسين   
فجمع بين الأمرين. وإنما اعتبرنا قطع الايمان، لاجماع المفسرين على ذلك. كالحسن والسدي والشعبي وغيرهم. وفي قراءة ابن مسعود { والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما } والنصاب الذي يتعلق القطع به قيل فيه ستة أقوال:

أولها - على مذهبنا، وهو ربع دينار. وبه قال الاوزاعي والشافعي، لما روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال القطع في ربع دينار.

الثاني - ثلاثة دراهم وهو قيمة المجن.

السابقالتالي
2 3