الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ فِي ٱلنَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ }

{ قَالَ } أي الله عز وجل لأولئك الكاذبين المكذبين يوم القيامة بالذات أو بواسطة الملك { ٱدْخُلُواْ فِى أُمَمٍ } أي مع أمم، والجار والمجرور في موضع الحال أي مصاحبين لامم { قَدْ خَلَتْ } أي مضت { مِن قَبْلِكُم مّن ٱلْجِنّ وَٱلإِنْسِ } يعني كفار الأمم من النوعين، وقدم الجن لمزيد شرهم { فِى ٱلنَّارِ } متعلق بأدخلوا، وجوز أن يتعلق { فِى أُمَمٍ } به ويحمل { فِى ٱلنَّارِ } على البدلية أو على أنه صفة { أُمَمٌ }؛ وجوز بعض المفسرين أن يكون هذا إخباراً عن جعله سبحانه إياهم في جملة أولئك من غير أن يكون هناك قول مطلقاً أي إنه تعالى جعلهم كذلك وهو خلاف الظاهر كما لا يخفى { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ } من الأمم تابعة أو متبوعة في النار { لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } أي دعت على نظيرها في الدين فتلعن التابعة المتبوعة التي أضلتها وتلعن المتبوعة التابعة التي زادت في ضلالها، وعن أبـي مسلم يلعن الأتباع القادة يقولون أنتم أوردتمونا هذه الموارد فلعنكم الله تعالى.

{ حَتَّى إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا } غاية لما قبله أي يدخلون فوجاً فوجاً لاعنا بعضهم بعضاً إلى انتهاء تلاحقهم باجتماعهم في النار. وأصل { ٱدَّارَكُواْ } تداركوا فادغمت التاء في الدال بعد قلبها دالاً وتسكينها ثم اجتلبت همزة الوصل. وعن أبـي عمرو أنه قرأ: { أدَّارَكُواْ } بقطع ألف الوصل وهو ـ كما قيل ـ مبني على أنه وقف مثل وقفة المستذكر ثم ابتدأ فقطع وإلا فلا مساغ لذلك في كلام الله تعالى الجليل، وقرأ { إِذَا ٱدَّارَكُواْ } بألف واحدة ساكنة ودال بعدها مشددة وفيه جمع بين ساكنين وجاز لما كان الثاني مدغماً ولا فرق بين المتصل والمنفصل { قَالَتْ أُخْرَاهُمْ } منزلة وهم الأتباع والسفلة { لأُولَـٰهُمْ } منزلة وهم القادة والرؤساء أو قالت أخراهم دخولاً لأولاهم كذلك، وتقدم أحد الفريقين على الآخر في الدخول مروي عن مقاتل، واللام في { لأُولَـٰهُمْ } للتعليل لا للتبليغ كما في قولك: قلت لزيد افعل كذا لأن خطابهم مع الله تعالى لا معهم كما يدل عليه قوله تعالى حكاية عنهم: { رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا } أي دعونا إلى الضلال وأمرونا به حيث سنوه فاقتدينا بهم { فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً } أي مضاعفا كما روي عن مجاهد { مِّنَ ٱلنَّارِ }.

والضعف ـ على ما قال أبو عبيد ونص عليه الشافعي في الوصايا ـ مثل الشيء مرة واحدة، وعن الأزهري أن هذا معنى عرفي والضعف في كلام العرب وإليه يرد كلام الله تعالى المثل إلى ما زاد ولا يقتصر على مثلين بل هو غير محصور واختاره هنا غير واحد. وقال الراغب: «الضعف بالفتح مصدر وبالكسر اسم كالشَّيء والشِّيء وضعف الشيء هو الذي يثنيه ومتى أضيف إلى عدد اقتضى ذلك العدد [و] مثله نحو أن يقال ضعف عشرة وضعف مائة فذلك عشرون ومائتان بلا خلاف؛ وعلى ذلك قول الشاعر:

السابقالتالي
2