الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُولَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

لما وعد الله من اتبع الهدى بالأَمْنِ من العَذَاب والحزن عقبه بذكر من أعدّ له العَذَاب مثال الذين كفروا. و " الذين " مبتدأ وما بعدها صلة وعائد، و " بآياتنا " متعلّق بـ " كذبوا " ، ويجوز أن تكون أن تكون الآية من باب الإعمال؛ لأن " كفروا " يطلبها، ويكون من إعمال الثَّاني للحذف من الأوّل، والتَّقدير: والذين كفروا بنا وكَذّبوا بآياتنا.

و " أولئك " مبتدأ ثان، و " أصحاب " خبره، والجملة خبر الأول، ويجوز أن يكون " أولئك " بدلاً من الموصول، أو عطف بيان له، و " أصحاب " خبر المبتدأ الموصول. وقوله: { هم فيها خالدون } جملة اسمية في محلّ نصب على الحال للتَّصريح بذلك في مواضع قال تعالى: { أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدينَ }.

وأجاز " أبو البقاء ": أن تكون حالاً من " النار " قال: لأن فيها ضميراً يعود عليها، ويكون العامل فيها معنى الإضافة، أو اللاَّم المقدرة.

وقد عرف ما في ذلك، ويجوز أن تكون في محل رفع خبر لـ " أولئك " أيضاً، فيكون قد أخبر عنه بخبرين:

أحدهما: مفرد وهو " أصحاب ".

والثاني: جملة، وقد عرف ما فيه من الخلاف.

و " فيها " متعلّق بـ " خالدون " قالوا: وقد حذف من الكلام الأوّل ما أثبت في الثاني، ومن الثاني ما أثبت في الأول، والتقدير: فمن تبع هُدَاي فلا خوف ولا حُزْن يلحقه، وهو صاحب الجَنَّة، ومن كفر وكذب لحقه الخَوْفُ والحزن، وهو صاحب النار؛ لأنّ التقسيم يقتضي ذلك، ونظروه بقول الشَّاعر: [الطويل]
421- وَإِنِّي لتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ   كَمَا انْتَفَضَ العُصْفُورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ
" والآية " لغة: العلامة؛ قال النابغَةُ: [الطويل]
422- تَوَهَّمْتُ آيَاتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا   لِسِتَّةِ أَعْوَامٍ وَذَا العَامُ سَابِعُ
وسميت آية القرآن [آية]؛ لأنه علامة لانفصال ما قبلها عما بعدها، وقيل: سُمِّيَتْ بذلك؛ لأنها تجمع حروفاً من القرآن، فيكون من قولهم، " خَرَجَ بنُو فلاَنٍ بآيتِهِمْ " أي: بجماعتهم؛ قال: [الطويل]
423- خَرَجْنَا مِنَ النَّقْبَيْنِ لاَ حَيَّ مِثْلُنَا   بِآيَاتِنَا نُزْجِي اللِّقَاحَ المَطَافِلاَ
واختلف النحويون في وزنها: فمذهب " سيبويه والخليل " أنها " فَعَلَة " والأصل: " أَيَيَة " - بفتح العين - تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً، وهذا شاذّ؛ لأنه إذا اجتمع حرفا عِلّة أعلّ الأخير؛ لأنه محلّ التغيير نحو: هوى وحوى، ومثلها في الشّذوذ: " غَايَة، وطَايَة، وَرَايَة ".

ومذهب " الكِسَائِيّ " أن أصلها: " آيِيَة " على وزن " فَاعِلَة " ، فكان القياس أن يدغم فيقال: آية كـ " دابّة " ، إلاَّ أنه ترك ذلك تخفيفاً، فحذفوا عينها، كما خففوا " كَيْنُونة " والأصل: " كيّنونة " بتشديد الياء، وضعفوا هذا بأن " كيّنونة " أثقل فَنَاسب التَّخفيف بخلاف هذه.

السابقالتالي
2