الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

والإِشارة إلى التسخير المستفاد منفسخرنا له الريح } ص 36 إلى قولهوالشياطين } ص 37 أي هذا التسخير عطاؤنا. والإِضافة لتعظيم شأن المضاف لانتسابه إلى المضاف إليه فكأنه قيل هذا عطاء عظيم أعطيناكه. والعطاء مصدر بمعنى المعطى مثل الخلق بمعنى المخلوق.و «امنن» أمر مستعمل في الإِذن والإِباحة، وهو مشتق من المنّ المكنّى به عن الإِنعام، أي فأنعم على مَن شئت بالإِطلاق، أو أمسك في الخدمة من شئت.فالمنّ كناية عن الإِطلاق بلازم اللام، كقوله تعالىفإما مناً بعدُ وإما فداء } محمد 4.وجملتا { فامنن أو أمْسِك } معترضتان بين قوله { عَطَاؤُنَا } وقوله { بِغَيرِ حسَابٍ } ، وهو تفريع مقدّم من تأخير.والتقديم لتعجيل المسرة بالنعمة، ونظيره قوله تعالى من بعدهذا فليذوقوه حميم وغساق } ص 57 وقول عنترة
ولقد نزلت فلا تظنِّي غيرَه مني بمنزلة المُحَب المكْرَم   
وقول بشارة
كقائلة إن الحمار فنحِّه عن القَتِّ أهلُ السمسم المتهذب   
مجازاً وكناية في التحديد والتقدير، أي هذا عطاؤنا غير محدد ولا مقتَّر فيه، أي عطاؤنا واسعاً وافياً لا تضييق فيه عليك.ويجوز أن يكون { بغيرِ حسابٍ } حالاً من ضمير «أمنن أو أمسك». ويكون الحساب بمعنى المحاسبة المكنّى بها عن المُؤاخذة. والمعنى أُمنن أو أمسك لا مؤاخذة عليك فيمن منَنْتَ عليه بالإِطلاق إن كان مفسداً، ولا فيمن أمسكته في الخدمة إن كان صالحاً.