الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

{ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } أي القرآن أو سائر الحجج ويدخل دخولاً أولياً، والموصول عبارة عن المعهودين في قوله عز وجل:وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } [الأنعام: 25] الخ أو الأعم من أولئك. والكلام متعلق بقوله سبحانه:مَّا فَرَّطْنَا } [الأنعام: 38] الخ أو بقوله جل شأنهإِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ } [الأنعام: 36] والواو للاستئناف وما بعدها مبتدأ خبره { صُمٌّ وَبُكْمٌ } وجوز أن يكون هذا خبر مبتدأ محذوف أي بعضهم صم وبعضهم بكم. والجملة خبر المبتدأ والأول أولى، وهو من التشبيه البليغ على القول الأصح في أمثاله أي أنهم كالصم وكالبكم فلا يسمعون الآيات سماعاً تتأثر منه نفوسهم ولا يقدرون على أن ينطقوا بالحق ولذلك لا يستجيبون ويقولون في الآيات ما يقولون.

وقوله سبحانه: { فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ } أي في ظلمات الكفر وأنواعه أو في ظلمة الجهل وظلمة العناد وظلمة التقليد في الباطل إما خبر بعد خبر للموصول على أنه واقع موقع (عمي) كما في قوله تعالى:صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ } [البقرة: 18، 171] ووجه ترك العطف فيه دون ما تقدمه الإيماء إلى أنه وحده كاف في الذم والإعراض عن الحق، واختير العطف فيما تقدم للتلازم، وقد يترك رعاية لنكتة أخرى، وإما متعلق بمحذوف وقع حالاً من المستكن في الخبر كأنه قيل: ضالون خابطين أو كائنين في الظلمات. ورجحت الحالية بأنها أبلغ إذ يفهم حينئذٍ أن صممهم وبكمهم مقيد بحال كونهم في ظلمات الكفر أو الجهل وأخويه حتى لو أخرجوا منها لسمعوا ونطقوا، وعليها لا يحتاج إلى بيان وجه ترك العطف. وجوز أبو البقاء أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هم في الظلمات؛ وأن يكون صفة لبكم أو ظرفاً له أو لصم أو لما ينوب عنهما من الفعل، وعن أبـي علي الجبائي أن المراد بالظلمات ظلمات الآخرة على الحقيقة أي أنهم كذلك يوم القيامة عقاباً لهم على كفرهم في الدنيا. والكلام عليه متعلق بقوله تعالى:ثُمَّ إِلَىٰ رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ } [الأنعام: 38] على أن الضمير للأمم على الإطلاق وفيه بعد. وقوله سبحانه:

{ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ } تحقيق للحق وتقرير لما سبق من حالهم ببيان أنهم من أهل الطبع لا يتأتى منهم الإيمان أصلاً فمن مبتدأ خبره ما بعده ومفعول (يشأ) محذوف أي إضلاله. ولا يجوز أن يكون (من) مفعولاً مقدماً له لفساد / المعنى، والمراد من يرد سبحانه أن يخلق فيه الضلال عن الحق يخلقه فيه حسب اختياره الناشىء عن استعداده، وجوز بعضهم أن يكون { من } في موضع نصب بفعل مقدر بعده يفسره ما بعده أي من يشق أو يعذب يشأ إضلاله.

{ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } عطف على ما تقدم، والكلام فيه كالكلام فيه.

السابقالتالي
2