الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }

قوله: { أم حَسِبَ }: " أم " هذه منقطعةٌ فتتقدَّرُ بـ بل والهمزةِ عند الجمهورِ، والإِضرابُ انتقالٌ لا إبطال. وقال ابنُ عطية: " أم " معادِلَةٌ/ للألفِ في قولِه " أَحَسِبَ " ، وكأنَّه عَزَّ وجَلَّ قَرَّر الفريقين: قرر المؤمنين على [ظَنِّهم أنَّهم] لا يُفْتَنُون، وقَرَّر الكافرين أنهم يَسْبِقُون عقابَ اللَّهِ ". قال الشيخ: " ليسَتْ معادِلةً؛ إذ لو كانت كذلك لكانَتْ متصلةً. ولا جائزٌ أَنْ تكونَ متصلةً لفَقْدِ شرطَيْن، أحدهما: أنَّ ما بعدَها ليس مفرداً، ولا ما في قوته. والثاني: أنَّه لم يكن هنا ما يُجابُ به مِنْ أحد شيئين أو أشياء.

وجَوَّز الزمخشريُّ في " حَسِبَ " هذه أَنْ تتعدَّى لاثنين، وجعل " أنَّ " وما في حَيِّزها سادةً مَسَدَّهما كقوله:أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } [البقرة: 214]، وأَنْ تتعدَّى لواحدٍ على أنها تَضَمَّنَتْ معنى " قَدَّر ". إلاَّ أنَّ التضمينَ لا يَنْقاسُ.

قوله: { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }: " ساء " يجوزُ أَنْ تكونَ بمعنى بِئْس، فتكونُ " ما ": إمَّا موصولةً بمعنى الذي، و " يَحْكمون " صلتُها. وهي فاعلُ " ساء ". والمخصوصُ بالذمِّ محذوفٌ أي: حُكْمُهم. ويجوز أَنْ تكونَ " ما " تمييزاً، و " يَحْكُمون " صفتُها، والفاعلُ مضمرٌ يُفَسِّره " ما " ، والمخصوصُ أيضاً محذوفٌ. ويجوزُ أَنْ تكونَ " ما " مصدريةً، وهو قولُ ابنِ كَيْسان. فعلى هذا يكونُ التمييزُ محذوفاً، والمصدرُ المؤولُ مخصوصٌ بالذمِّ أي: ساءَ حُكْماً حكمُهم. وقد تقدَّمَ حكمُ " ما " إذا اتصلَتْ بـ " بِئْسَ " مُشْبعاً في البقرة. ويجوزُ أَنْ تكونَ " ساء " بمعنى قَبُح، فيجوز في " ما " أَنْ تكونَ مصدريةً، وبمعنى الذي، ونكرةً موصوفَةً. وجيْءَ بـ " يَحْكمون " دونَ حُكْمِه: إمَّا للتنبيهِ على أن هذا دَيْدَنُهم، وإمَّا لوقوعِه مَوْقِعَ الماضي لأجلِ الفاصلة.