الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

وقوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ }: قد تقدَّم الكلام على " ماذا " وما قيل فيها فَلْيلتفت إليه. وقوله: " لهم " بلفظ الغيبة لتقدُّم ضمير الغَيْبة في قوله تعالى:يَسْأَلُونَكَ } [البقرة: 215]، ولو قيل في الكلام: " ماذا أُحِلَّ لنا " لكانَ جائزاً على حكاية الجملة كقولك: " أقسم زيدٌ ليضربن ولأضربن " بلفظِ الغَيْبة والتكلمِ، إلاَّ أنَّ ضميرَ المتكلم يقتضي حكايةَ ما قالوا، كما أنَّ " لأضربنَّ " يقتضي حكايةَ الجملةِ المُقْسَمِ عليها، و " ماذا أحِلَّ " هذا الاستفهامُ مُعلِّقٌ للسؤال وإن لم يكن السؤال من أفعال القلوب، إلا أنَّه كان سبب العلمِ، والعلمُ يُعَلَّق، فكذلك سبُبه، وقد تقدَّم تحريرُ القول فيه في البقرة. وقال الزمخشري هنا: " في السؤالِ معنى القولِ، فلذلك وقعَ بعدَه " ماذا أُحِلَّ لهم " ، كأنه قيل: يقولون ماذا أحل لهم؟ ولا حاجةَ إلى تضمين السؤال معنى القول لما تقدَّم من أنَّ السؤالَ يُعَلَّق بالاستفهام كمسببه. وقال ابن الخطيب: " لو كان حكاية لكلامِهم لكانوا قد قالوا: ماذا أحل لهم، ومعلومٌ أنَّ ذلك باطل لا يقولونه، وإنما يقولون: ماذا أحِلَّ لنا، بل الصحيح أنه ليس حكايةً لكلامهم بعبارتهم، بل هو بيانُ كيفية الواقعة ".

قوله: { وَمَا عَلَّمْتُمْ } في " ما " هذه ثلاثة أوجه، أحدها: أنها موصولةٌ بمعنى الذي، العائدُ محذوف أي: ما عَلَّمْتموه، ومحلها الرفع عطفاً على مرفوعِ ما لم يُسَمَّ فاعلُه أي وأُحِلَّ لكم صيدٌ أو أخذُ ما عَلَّمتم، فلا بد من حذف هذا المضاف. والثاني: أنها شرطية فمحلُّها رفع بالابتداء، والجوابُ قولُه: " فكُلوا " قال الشيخ: " وهذا أظهرُ لأنه لا إضمار فيه " والثالث: أنها موصولة أيضاً ومحلُّها الرفعُ بالابتداء، والخبر قوله: " فكُلوا، وإنما دخَلَتِ الفاء تشبيهاً للموصول باسم الشرط.

وقوله: { مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ } في محلِّ نصبٍ على الحال / وفي صاحبها وجهان، أحدُهما: أنه الموصول وهو " ما " والثاني: أنه الهاء العائدةٌ على الموصول، وهو في المعنى كالأول. والجوارح: جمع " جارحة " ، والهاءُ للمبالغة سُمِّيَتْ بذلك لأنها تَجْرَحُ الصيدَ غالباً أو لأنها تَكْسَبُ، والجَرْحُ: الكَسْبُ ومنه:وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } [الأنعام: 60]. والجارحَةُ: صفةٌ جارية مجرى الأسماء لأنها لم يذكر موصوفها غالباً. وقرأ عبد الله بن عباس وابن الحنفية: " عُلِّمتم " مبنياً للمفعول، وتخريجها أن يكون ثَمَّ مضافٌ محذوف أي: وما عَلَّمكم الله من أمر الجوارح.

" مكلِّبين " حالٌ من فاعل " عَلَّمتم " ، ومعنى " مكلِّبين " مؤدبين ومُضْرِين ومُعَوِّدين قال الشيخ " وفائدةٌ هذه الحالِ - وإنْ كانت مؤكدةً لقولِه: " عَلَّمتم " فكان يَسْتغنى عنها - أن يكون المعلمُ ماهراً بالتعليم حاذقاً فيه موصوفاً به " انتهى، وفي جَعْلِه هذه الحالِ مؤكدةً نظرٌ، بل هي مؤسسةٌ.

السابقالتالي
2 3