الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } * { قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } * { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } ، أصله " المُتزمِّلُ " فأدغمت التاء في الزاي، يقال: تزمَّل يتزمل تزملاً، فإذا أريد الإدغام: اجتلبت همزة الوصل، وبهذا الأصل قرأ أبي بن كعب.

وقرأ عكرمة: " المُزمِّل " - بتخفيف الزاي وتشديد الميم - اسم فاعل، وعلى هذا فيكون فيه وجهان:

أحدهما: أن أصله " المُزتمِل " بوزن " مفتعل " فأبدلت التاء ميماً وأدغمت، قاله أبو البقاء، وهو ضعيف.

والثاني: أنه اسم فاعل من " زمل " مشدداً، وعلى هذا، فيكون المفعول محذوفاً، أي: المزمل جسمه. وقرىء كذلك إلا أنه بفتح الميم اسم مفعول منه أي: " المُلفَّفُ، والتزمل: التلفف، يقال: تزمل زيد بكساء، أي: الفت به؛ وقال ذو الرُّمَّة: [الطويل]
4918 - وكَائِنْ تَخطَّت نَاقتِي مِنْ مفَازةٍ   ومِنْ نَائِمٍ عَنْ ليْلِهَا مُتزمِّلِ
وقال امرؤ القيس: [الطويل]
4919 - كَأنَّ ثَبِيراً فِي أفَانينِ ودقِهِ   كَبِيرُ أنَاسٍ في بجَادٍ مُزمَّلِ
وهو كقراءة بعضهم المتقدمة

فصل في بيان لمن الخطاب في الآية

هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وفيه ثلاثةُ أقوالٍ:

الأول: قال عكرمة: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } بالنبوة المتزمل بالرسالة، وعنه: يا أيها الذي زمل هذا الأمر، أي: حمله ثم فتر، وكان يقرأ: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزمَّلُ } - بتخفيف الزاي وفتح الميم وتشديدها، على حذف المفعول، وكذلك: " المدثر " ، والمعنى: المزمل نفسه والمدثر نفسه، والذي زمله غيره.

الثاني: قال ابن عباس: يا أيها المزمل بالقرآن.

الثالث: قال قتادة: يا أيها المزمل بثيابه.

قال النخعيُّ: كان متزملاً بقطيفة عائشة رضي الله عنها بمرط طوله أربعة عشر ذراعاً نصفه عليّ، وأنا نائمة ونصفه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، والله ما كان خزاً ولا قزاً ولا مرعزاء ولا إبريسم ولا صوفاً، كان سداه شعراً ولحمته وبراً، ذكره الثعلبي.

قال القرطبيُّ: " وهذا القول من عائشة يدل على أنَّ السورة مدنية، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يبنِ بها إلاَّ بالمدينة، والقول بأنها مكية لا يصح ".

وقال الضحاكُ: تزمل لمنامه.

وقيل: بلغه من المشركين سوء قول فيه، فاشتد عليه فتزمل، وتدثر، فنزل: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ }.

وقيل: كان هذا في ابتداء أمر ما أوحي إليه فإنه لما سمع صوت الملك، ونظر إليه أخذته الرعدة، فأتى أهله، وقال: زمِّلوني، دثِّرُونِي.

روي معناه عن ابن عباس، قال: أول ما جاءه جبريل خافه، وظن أن به مساً من الجنِّ، فناداه، فرجل من الجبل مرتعداً وقال: زمِّلُوني، زمِّلُونِي.

وقال الكلبيُّ: إنما تزمل النبي بثيابه ليتهيأ للصلاة، وهو اختيار الفراءِ.

وقيل: إنه - عليه الصلاة والسلام - كان نائماً بالليل متزملاً في قطيفة فنودي بما يهجر تلك الحالة، فقيل له: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } قم واشتغل بالعبودية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9