الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } * { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } * { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } * { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }

{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } أي: ألم نوسعه بإلقاء ما يسره ويقويه، وإظهار ما خفي عليه من الحكم والأحكام، وتأييده وعصمته، حتى علم ما لم يعلم وصار مستقر الحكمة ووعاء حقائق الأنباء، والهمزة لإنكار النفي. ونفي النفي إثبات. ولذا عطف المثبت عليه. وأصل الشرح بسط اللحم ونحوه، مما فيه توسيع مستلزم لإظهار باطنه، وما خفي منه. استعمل في القلب الشرح والسعة، لأنه محل الإدراك لما يسرّ وضده. فجعل إدراكه لما فيه مسرة يزيل ما يحزنه، شرحاً وتوسيعاً. وذلك أنه بالإلهام ونحوه، مما ينفس كربه ويزيل همه، بظهور ما كان غائباً عنه وخفيّاً عليه، مما فيه مسرته. كما يقال (شرح الكتاب) إذا وضحه. ثم استعمل في الصدر الذي هو محل القلب مبالغة فيه؛ لأن اتساع الشيء يتبعه اتساع ظرفه. ولذا تسمع الناس يسمون السرور بسطاً. ثم سموا ضده ضيقاً وقبضاً. وهو من المجاز المتفرع على الكناية بوسائط، وبعد الشيوع زال الخفاء وارتفعت الوسائط - هذا ما حققه الشهاب. { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } قال الشهاب: الوزر: الحمل الثقيل. ووضعه: إزالته عنه. لأنه إذا تعدى بـ (على) كان بمعنى التحميل. وإذا تعدى بـ (من) كان بمعنى الإزالة. والإنقاض: حصول النقيض وهو صوت فقرات الظهر. وقيل: صوت الجمل أو الرحل أو المركوب إذا ثقل عليه. فالإنقاض: التثقيل في الحمل حتى يسمع له نقيض، أي: صوت، كما قاله الأزهريّ.

وقال ابن عرفة: هو إثقال يجعل ما حمل عليه نقضا. أي مهزولاً ضعيفاً. وقد مثل بذلك حاله صلوات الله عليه، مما كان يثقل عليه ويغمه من قلة المستجيبين لدعوته، وضعف من سبق إلى الإيمان به، وشيوع الشرك والضلال في جزيرة العرب، وقوة أهلها. ووضعه عنه هو كثرة من آمن بعدُ، ودخولهم في دين الله أفواجاً، وقوة أتباعه وانمحاء الشرك والجاهلية من الجزيرة، وذل أهلها بعد العز، وانقيادهم بعد شدة الإباء. وقيل: الآية كناية عن عصمته وتطهيره من دنس الآثام كقوله:لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح: 2].

والوجه الأول أقوى، وفي الآية على كلٍّ استعارة تمثيلية. والوضع ترشيح لها { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } أي: بالنبوة وفرض الاعتراف برسالته وجعله شرطاً في قبول الإيمان وصحته. وقال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة. فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.

وعن مجاهد: أي: لا أذكر إلا ذكرت معي. قال الشهاب وهذا - أي المأثور عن مجاهد - إن أخذ كلية خالف الواقع. فإنه كم ذكر الله وحده! وكم ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وحده! وإن عين موضعاً فهو ترجيح بلا مرجح.

السابقالتالي
2