الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

قوله { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ } الآية.

المعنى: أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ما الذي أحل الله لهم، فقال الله له { [قُلْ] أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ } وهو الحلال الذي أذن فيه من الذبائح، وأعلمهم أنه أحل لهم (مع ذلك) أكل صيد ما علموا من الجوارح، وهي سباع البهائم والطير، سميت " جوارح " (لكسبها لأربابها) أقواتهم، فالجوارح: الكواسب، (و) واحدها: جارحة يقال: جرح فلان أهله خيراً " ، إذا أكسبهم خيراً، و " فلان جارحة أهله " أي: كاسبهم، و " لا جارح لفلان " أي: ليس له كاسب، و " فلان يجترح " أي: يكتسب، ومنه قوله تعالى: /أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } [الجاثية: 21] أي: اكتسبوها، ومنه قوله تعالىوَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } [الأنعام: 60] أي: ما اكْتَسَبْتُمْ.

وفي الكلام حذف، والتقدير: قل أحل لكم الطيبات وصيد ما علمتم من الجوارح.

وكان النبي قد أمر بقتل الكلاب، فسألوا عما يحل اتخاذه منها وصيده، فنزل { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ } فعلم أنه مباح اكتساب كلاب الصيد سلوقية أو غير سلوقية.

ومعنى { مُكَلِّبِينَ }: أصحاب كلاب، قال مجاهد: الفهد من الجوارح، وكلهم على أن الصقر والبازي من الجوارح، وكذلك العقاب.

والجوارح هي المعلَّمة من هذه الأنواع، إذا دعيت أجابت وإذا زجرت أطاعت، فكل من أرسل منها شيئاً فسمى الله عز وجل فأصابت صيداً أكل، وإن قتلته فهو حلال، غير أن الضحاك قال: الجوارح: الكلاب المعلّمة دون غيرها لقوله { مُكَلِّبِينَ } ، وقد " روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صيد البازي، فقال: " ما أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُل " ".

وما صاد غير المعلَّم لا يؤكل إلا أن تدرك ذكاته وهو حي صحيح، لم يحدث فيه ما إن ترك لم يعش. وإذا أكل الكلب المعلم من الصيد، أكل باقيه عند مالك.

ومعنى { مُكَلِّبِينَ } أصحاب كلاب، ويقال: أكلب الرجل، إذا كثرت عنده الكلاب، فهو مُكْلِب.

وقد قرأ ابن مسعود (مُكْلِبين) بإسكان الكاف، يريد كثرة كلابهم، وقيل معنى { مُكَلِّبِينَ } معلّمين محرّشين.

وقوله { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ } أي: تؤدبوهنّ من التأديب الذي أدبكم الله به والعلم الذي علمكم، وهو الطاعة إذا زُجر والأخذ إذا أُمر.

قال ابن عباس: التعليم: أن يمسك الصيد فلا يأكل حتى يأتيه صاحبه فيدرك ذكاته، فإن أكل من صيده قبل أن يأتيه فلا يؤكل، وهو قول سعيد بن جبير والنخعي والشعبي وقتادة وعطاء وعكرمة والشافعي، وروي عن أبي هريرة.

وقال ابن عمر: يؤكل وإن أكل وبه قال (مالك وجماعة معه).

ومن أرسل كلباً غير معلم فأخذ، فلا يؤكل ما أخذ إلا أن يُدْرِكَ ذكاته فإن أرسل معلماً فأخذ ولحقه قبل أن يموت - فاشتغل عن تذكيته حتى مات - فلا يؤكل، لأنه أدركه حيّاً وفرَّط في تذكيته، فإن (كان) أدركه (حيّاً) وقد أنفذ الكلب - أو البازي - مقاتله فلم يذكه حتى مات، أكل، لأن الذكاة ليست بشيء إذ هو ميت لا محالة لو ترك.

السابقالتالي
2