الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ }

{ وانك لعلى خلق عظيم } لا يدرك شأوه احد من الخلق ولذلك تحتمل من جهتهم ما لا يكاد يحتمله البشر قال بعضهم لكونك متخلقا باخلاق الله واخلاق كلامه القديم ومتأيد بالتأييد القدسى فلا تتأثر بافترآئهم ولا تتأذ بأذاهم اذ بالله تصبر لا بنفسك كما قال واصبر وما صبرك الا بالله ولا احد أصبر من الله وكلمة على للاستعلاء فدلت على انه عليه السلام مشتمل على الاخلاق الحميدة ومستولٍ على الافعال المرضية حتى صارت بمنزلة الامور الطبيعية له ولهذا قال تعالىقل ما اسالكم عليه من اجر وما انا من المتكلفين } اى لست تكلفا فيما يظهر لكم من اخلاقى لان المتكلف لا يدوم امره طويلا بل يرجع اليه الطبع وللانسان صورة ظاهرة لها هيئة يشاهدها البصر الذى هو فى الرأس وهى عالم الملك وهى الشكل وصورة باطنة لها سيرة يشاهدها البصيرة التى هى فى القلب وهى من عالم الملكوت وهى الخلق فكما ان لهيئته الظاهرة حسنا او قبحا صوريا باعتبار اشكالها واوضاعها وألوانها فكذلك لسيرته الباطنة حسن او قبح معنوى باعتبار شمائلها وطبائعها ومن ذلك قسموا الخلق الى المحمود والمذموم تارة والى الحسن والقبيح اخرى وكثيرا ما يطلق ويراد به المحمود فقط لانه اللائق بأن يسمى خلقا ومن هذا قوله تعالى خلق عظيم وعليه قول الامام الرازى الخلق ملكة نفسانية يسهل على المتصف بها الاتيان بالافعال الجميلة ونفس الاتيان بالافعال الجميلة شئ وسهولة الاتيان بها شئ آخر فالخالة التى باعتبارها تحصل تلك السهولة الخلق وسمى خلقا لانه لرسوخه وثباته صار بمنزلة الخلقة التى جبل عليها الانسان وان احتاج فى كونه ملكة راسخة الى اعتمال وطول رياضة ومجاهدة ولذا قالوا الخلق يتبدل بالمصاحبة والمعاملة فيكون الحسن قبيحا والقبيح حسنا على حال المصاحبين والمعاملين كما فى الحديث " المرء على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل " وفى حديث آخر " لا تجالسوا اهل الاهوآء والبدع فان لهم عرة كعرة الجرب " ومن ذلك كانت مصاحبة الاخيار مستحسنة مرغبا فيها ومصاحبة الاشرار مستقبحة مرهبا عنها وكذلك يتبدل بالسعى فى اسبابه ولذلك صنف اطباء الارواح ابوابا فى علم الاخلاق لبيان ما هو صحة روحانية وما هو مرض روحانى كما ألف اطباء الاشباح فصولا فى علم الأبدان لبيان سبب كل مرض وعلاجه وانما أفرد الخلق ووصفه بالعظمة كما وصف القرءآن بالعظيم لينبه على ان ذلك الخلق الذى هو عليه السلام جامع المكارم الاخلاق أجتمع فيه شكر نوح وخلة ابراهيم واخلاص موسى وصدق وعد اسمعيل وصبر يعقوب وايوب واعتذار داود وتواضع سليمان وعيسى وغيرهما من اخلاق سائر الانبياء عليهم السلام كما قال تعالى

السابقالتالي
2 3 4