الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

ظل قمري

في الكشّاف: ذلك الفضل الذي أعطاه محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أن يكون نبيّ أبناء عصره ونبي أبناء العصور الغوابر هو فضل الله يؤتيه مَن يشاء إعطاءه وتقتضيه حكمته.

وفي مجمع البيان: عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم يرفعه، قال: " جاء الفقراء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: يا رسول الله - إنّ للأغنياء ما يتصّدقون وليس لنا ما نتصدّق. ولهم ما يحجّون وليس لنا ما نحجّ ولهم ما يعتقون وليس لنا ما نعتق.

فقال: من كبّر الله مائة مرّة كان أفضل من عتق رقبة، ومن سبّح الله مائة مرّة كان أفضل من مائة فرس في سبيل الله يسرجها ويلجمها للجهاد ومن هلّل الله مائة مرة كان أفضل الناس عملاً في ذلك اليوم إلاّ من زاد

. فبلغ ذلك الأغنياء فقالوه، فرجع الفقراء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: يا رسول الله، قد بلغ الأغنياء ما قلتَ فصنعوه.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ".

نور عَرشي

المراد بالفضل

ما يتراءى من مواضع استعمالات هذه اللفظ في القرآن وغيره مع ضرب من إلهام الله تعالى وتأييده، هو أنّ الفضل عبارة عمّا به يفضّل الإنسان على جميع ما في هذا العالَم من الجواهر والأعراض، ويستحقّ بذلك مسجوديّة الملائكة والجانّ، وهو عبارة عن الإيمان بالله، والعلم بحقائق الأشياء كما هي، والتجرّد عن العالَم الحسّي، وهو إنّما حصل عيانا للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإصالة، ولأولياء الله من أهل بيت نبوّته وولايته تبعاً، وحصل علما برهانيّا لحكماء أمّته، وسماعا تقليديّا لعوام أهل الإيمان، كلّ ذلك بواسطة إشراق نور النبوّة على أراضي قابليّة قلوبهم، إلاّ أنّ في الأوّل وقوع النور، وفي الثاني انعكاسه، وفي الثالث ظلّه،وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [النور:40].

فقوله تعالى: " ذلك " إشارة إلى ما تضمّنه قوله:وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } أي: العلم بهما. فكلّ من كان أو يكون من العلماء الربّانيّين، والحكماء الإلهيّين أو سيجيء في هذا العالَم، فهو من الذين يزكّيهم الرسول ويعلّمهم الكتاب والحكمة، فهم من الذين شاء الله أن يؤتيهم هذا الفضل، ومأخذ هذا التعليم هو ما يدلّ عليه قوله:آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } [الكهف:65].

بل لا يقتبس نور العلم والحكمة إلاّ من مشكاة النبوّة، ولهذا من يؤتاها فقد أوتي خيراً كثيراً، ويشهد بذلك قوله:وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } [النساء:113].

فالتخلّق بأخلاقه (صلى الله عليه وآله وسلم) ممّا يوجب للعبد استعداداً لقبول المعارف الإلهيّة الفايضة على قلبه (صلى الله عليه وآله وسلم) على سبيل الانعكاس منه على قلب هذا العبد المطيع لله ولرسوله، لقوله:

السابقالتالي
2 3 4 5