الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }

أقوال في المعنيين بالوصف:

اختلف في المعنيين بهذا الوصف، هل هم نفس الطائفة الموصوفة في الآية السابقة بأنهم يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم الله، أو هم طائفة أخرى؟ وبناء على هذا الرأي الأخير، فمن المراد بهم؟

روى ابن جرير في تفسيره عن ترجماني القرآني ابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهما - أن المراد بالذين يؤمنون بالغيب.. الخ ما في الآية السابقة، مؤمنو العرب، إذ لم يكن لهم رصيد من علم الكتب السماوية من قبل، وإنما فوجئوا به على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وهو ما لم يكونوا يألفونه، فكان إيمانهم به صلى الله عليه وسلم، وبما أنزل إليه أحرى بأن يوصف أنه إيمان بالغيب، وأما هذه الآية فهي في أهل الكتاب، لأنهم سبق لهم إيمان بما أنزل على النبيين من قبل، فلما جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهدى من عند الله، عرفوا صدقه بما سبق لهم من العلم بالنبوات، وبما كانوا يتلونه في كتبهم من البشائر ببعثته عليه أفضل الصلاة والسلام. واختار هذا القول ابن جرير واستدل له بما ذكرته، وعضده بتقسيم المعرضين عن هدي ما أنزل الله على رسول صلى الله عليه وسلم - في الآيات الآتية - إلى طائفتين؛ طائفة جاهرت بالكفر وأعلنت التكذيب، وأخرى أسرّت كفرها في قرارة نفسها ولم تبح بالتكذيب إلا فيما بينها.

وهذا التقسيم يتناسب - حسب رأيه - مع تقسيم المؤمنين المنتفعين بهدى التنزيل إلى طائفتين؛ مؤمني العرب، ومؤمني أهل الكتاب، واستشهد ابن كثير لهذا القول بقوله تعالى:وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ للَّهِ } [آل عمران: 199]، وقوله سبحانه:ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدْرَؤُنَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [القصص: 52 - 54].

وبحديث أبي موسى عند الشيخين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين؛ رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي، ورجل مملوك أدى حق الله وحق مواليه، ورجل أدب جاريته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها ".

ويلمح من كلام القطب رحمه الله في هيميانه أنه يجنح إلى هذا القول، وذلك من تصديره إياه، وإتباعه كثيرا من البحوث المتفرعة عنه، واعتمده من المعاصرين العلامة ابن عاشور، واستدل له بما يوجبه تكرار الموصول من التغاير، غير أنه نبه على دخول أهل الكتاب - إن آمنوا - في عموم الفريق الأول، لأنهم يصدق عليهم أنهم يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقهم الله ينفقون.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10