الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ }

قوله تعالى: { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا }.

قوله تعالى: فضرب الرقاب مصدر نائب عن فعله، وهو بمعنى فعل الأمر، ومعلوم أن صيغ الأمر في اللغة العربية أربع:

وهي فعل الأمر كقوله تعالى:أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } [الإسراء: 78] الآية.

واسم فعل الأمر كقوله تعالى:عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } [المائدة: 105] الآية.

والفعل المضارع المجزوم بلام الأمر كقوله تعالى:ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } [الحج: 29] الآية.

والمصدر النائب عن فعله كقوله تعالى: { فَضَرْبَ ٱلرِّقَاب } ، أي فاضربوا رقابهم، وقوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُم } أي أوجعتم فيهم قتلاً.

فالإثخان هو الإكثار من قتل العدو حتى يضعف ويثقل عن النهوض.

وقوله: فشدوا الوثاق، أي فأسروهم، والوثاق بالفتح والكسر اسم لما يؤسر به الأسير من قد ونحوه.

وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من الأمر بقتل الكفار حتى يثخنهم المسلمون، ثم بعد ذلك يأسرونهم جاء موضحاً في غير هذا الموضع، كقوله تعالى:مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْض } [الأنفال: 67]، الآية، وقد أمر تعالى بقتلهم في آيات أخر كقوله تعالى:فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُم } [التوبة: 5] الآية.

وقوله:فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } [الأنفال: 12]، وقوله تعالى:وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً } [التوبة: 36] الآية. وقوله:فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ } [الأنفال: 57] الآية، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً } أي فإما تمنون عليهم منا، أو تفادونهم فداء.

ومعلوم أن المصدر إذا سيق لتفصيل وجب حذف عامله، كما قال في الخلاصة:
وما لتفصيل كإما منا   عامله يحذف حيث عنا
ومنه قول الشاعر:
لأجهدن فإما درء واقعة   تخشى وإما بلوغ السؤل والأمل
وقال بعض العلماء: هذه الآية منسوخة بالآيات التي ذكرنا قبلها وممن يروى عنه هذا القول، ابن عباس والسدي وقتادة والضحاك وابن جريج.

وذكر ابن جرير عن أبي بكر رضي الله عنه ما يؤيده.

ونسخ هذه الآية هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله فإنه لا يجوز عنده المن ولا الفداء، لأن الآية المنسوخة عنده بل يخير عنده الإمام بين القتل والاسترقاق.

ومعلوم أن آيات السيف النازلة في براءة نزلت بعد سورة القتال هذه.

وأكثر أهل العلم يقولون: إن الآية ليست منسوخة، وإن جميع الآيات المذكورة، محكمة، فالإمام مخير وله أن يفعل ما رآه مصلحة للمسلمين من من وفداء وقتل واسترقاق.

قالوا: قتل النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث أسيرين يوم بدر، وأخذ فداء غيرهما من الأسارى.

ومن على ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة، وكان يسترق السبي من العرب وغيرهم.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار:

والحاصل أنه قد ثبت في جنس أسارى الكفار جواز القتل والمن والفداء والاسترقاق، فمن ادعى أن بعض هذه الأمور تختص ببعض الكفار دون بعض لم يقبل منه ذلك إلا بدليل ناهض يخصص العمومات، والمجوز قائم فى مقام المنع، وقول علي وفعله عند بعض المانعين من استرقاق ذكور العرب حجة.

السابقالتالي
2 3