الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } * { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ }

والأسوة كالقدوة، وهى اتباع الغير على الحالة التى يكون عليها، قال - تعالى -لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } قال الآلوسى قوله - تعالى - { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ } تأكيد لأمر الإِنكار عليهم، والتخطئة فى موالاة الكفار، بقصة إبراهيم - عليه السلام - ومن معه، ليعلم أن الحب فى الله - تعالى - والبغض فيه - سبحانه - من أوثق عرا الإِيمان، فلا ينبغى أن يغفل عنها. والأسوة - بضم الهمزة وكسرها - بمعنى الائتساء والاقتداء، وتطلق على الخصلة التى من حقها أن يؤتسى ويقتدى بها، وعلى نفس الشخص المؤتسى به. والمعنى قد كان لكم - أيها المؤمنون - أسوة حسنة، وخصلة حميدة، ومنقبة كريمة، فى قصة أبيكم إبراهيم - عليه السلام -، وفى قصة الذين آمنوا معه. وافتتح - سبحانه - الكلام بقوله { قَدْ كَانَتْ } لتأكيد الخبر، فإن هذا الأسلوب المشتمل على قد وفعل الكون، يفيد التأكيد بموجب الخبر، والتعريض بغفلة من يخالفه. ووصف - سبحانه - الأسوة بالحسن، على سبيل المدح لها والتحريض على الاقتداء بصاحبها. وعطف - سبحانه - على إبراهيم الذين آمنوا معه، ليتم التمثيل لحال المسلمين مع رسولهم - صلى الله عليه وسلم - أى كونوا - أيها المؤمنون - متأسين ومقتدين برسولكم - صلى الله عليه وسلم - ومطيعين له، ومستجيبين لتوجيهاته، كما كان أتباع أبيكم إبراهيم كذلك. ثم بين - سبحانه - ما يجب عليهم الاقتداء به من حال إبراهيم - عليه السلام - والمؤمنين معه، فقال { إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } و { إِذْ } ظرف زمان بمعنى وقت وحين، وهو يدل اشتمال من إبراهيم والذين معه. أو خبر لكان. { بُرَءآؤاْ } جمع برئ. يقال برئ فلان من كذا يبرأ براء وبراءة. إذا ابتعد عنه، لكراهته له. أى قد كان لكم - أيها المؤمنون - أسوة حسنة فى إبراهيم - عليه السلام - وفى الذين آمنوا معه، وقت أن قالوا لقومهم الكافرين، بشجاعة وقوة إنا برآة منكم، ومن آلهتكم التى تعبدونها من دون الله - عز وجل - وإننا قد كفرنا بكم وبمعبوداتكم { وَبَدَا } أى وظهر بيننا وبينكم العداوة والبغض على سبيل التأييد والاستمرار، ولن نتخلى عن ذلك معكم، حتى تؤمنوا بالله - تعالى - وحده، وتتركوا عبادتكم لغيره - تعالى -. فأنت ترى أن إبراهيم - عليه السلام - والمؤمنين معه، قد أعلنوا بكل شجاعة وشدة، إيمانهم الكامل بالحق، وبراءتهم وكراهيتهم واحتقارهم، لكل من أشرك مع الله - تعالى - فى العبادة آلهة أخرى.

السابقالتالي
2 3 4