الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ }

{ إِن تَتُوبَا إِلَى ٱللَّهِ } خطاب لحفصة وعائشة رضي الله تعالى عنهما على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب للمبالغة في المعاتبة فإن المبالغ في العتاب يصير المعاتب أولاً بعيداً عن ساحة الحضور، ثم إذا اشتد غضبه توجه إليه وعاتبه بما يريد. وكون الخطاب لهما لما أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن حبان وغيره عن ابن عباس قال: «لم أزل حريصاً أن أسأل عمر رضي الله تعالى عنه عن المرأتين من أزواج النبـي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى: { إِن تَتُوبَا } الخ حتى حج عمر وحججت معه فلما كنا ببعض الطريق عدل عمر وعدلتُ معه بالإداوة (فنزل ثم أني صببت) على يديه فتوضأ فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبـي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى: { إِن تَتُوبَا } الخ؟ فقال: واعجباً لك يا ابن عباس هما عائشة وحفصة ثم أنشأ يحدثني الحديث» الحديثُ بطوله.

ومعنى قوله تعالى: { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } مالت عن الواجب من مخالفته صلى الله عليه وسلم بحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه إلى مخالفته، والجملة قائمة مقام جواب الشرط بعد حذفه، والتقدير إن تتوبا فلتوبتكما موجب وسبب فقد صغت قلوبكما أو فحق لكما ذلك فقد صدر ما يقتضيها وهو على معنى فقد ظهر أن ذلك حق كما قيل في قوله:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة   
من أنه بتأويل تبين أني لم تلدني لئيمة، وجعلها ابن الحاجب جواباً من حيث الإعلام كما قيل في: إن تكرمني اليوم فقد أكرمتك أمس، وقيل: الجواب محذوف تقديره يمح إثمكما، وقوله تعالى: { فَقَدْ صَغَتْ } الخ بيان لسبب التوبة، وقيل: التقدير فقد أديتما ما يجب عليكما أو أتيتما بما يحق لكما، وما ذكر دليل على ذلك، قيل: وإنما لم يفسروا { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } بمالت إلى الواجب أو الحق أو الخير حتى يصح جعله جواباً من غير احتياج إلى نحو ما تقدم لأن صيغة الماضي ـ وقد وقراءة ابن مسعود (فقد زاغت قلوبكما) ـ وتكثير المعنى مع تقليل اللفظ تقتضي ما سلف، وتعقب بأنه إنما يتمشى على ما ذهب إليه ابن مالك من أن الجواب يكون ماضياً وإن لم يكن لفظ كان، وفيه نظر. والجمع في { قُلُوبُكُمَا } دون التثنية لكراهة اجتماع تثنيتين مع ظهور المراد، وهو في مثل ذلك أكثر استعمالاً من التثنية والإفراد، قال أبو حيان: لا يجوز عند أصحابنا إلا في الشعر كقوله:
/ حمامة بطن الواديين ترنمي   
وغلط رحمه الله تعالى ابن مالك في قوله في «التسهيل»: ويختار لفظ الإفراد على لفظ التثنية.

السابقالتالي
2 3 4