الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ }

{ فإِذا لقِيتُم الَّذين كَفَروا } إذا كان صلاح المؤمنين وفوزهم، وضلال الكفرة وخسرانهم، مما يوجب ترتب الأحكام عليهم، كل بما يليق به، فاذا لقيتم الكفرة فى المحاربة الى قوله: { بعضكم ببعض } ورتب على الفريق الآخر قوله: { والذين قتلوا } الخ وبدأ بالذين كفروا، لأن التكليف يكون بمعالجتهم، وشأن الخلق، والدنيا التكليف، وباتباعه يحصل الدين والدنيا، والعبادة، ودون ذلك ما هو اخبار بالثواب على ذلك، فأخر ذكر الثواب، واللقاء والملاقاة، أو اللقاء المعبر عن الحرب.

{ فَضَرب الرقاب } فاضربوا الرقاب منهم أولهم، أو رقابهم ضربا، فحذف اضربوا، وأضيف ضرب للمفعول، ومثل هذا المصدر نائبا عن عامله، ولم يرد فائدة عليه، فليس فيه توكيد ولا بيان نوع باضافته إلا بحسب ظاهر اللفظ، لأنه ترجمة عن نصب المضاف اليه بالعامل المحذوف قبل الحذف، والتأخير خلافا لمن ادعى التأكيد، وضرب الرقاب كناية عن القتل مطلقا، وخصت الأعناق بالذكر لأنه أشنع قتله، وأسرع للموت، إذا أطير الرأس، أو بقى ملصقا بقليل، مائلا وكأنه غير صورة آدمى، وفى الرأس مجمع حواس الانسان، وهكذا ينبغى أن يكون القتل، وفيه تشجيع المؤمنين الى هذه القتلة بحسب الامكان.

{ حتَّى إذا أثْخنْتُموهم } أفشلتموهم بشدة القتل وكثرته افاشالا، كاثخان المائع عن الحركة بضبطه فى اناء، ومنعه عن الحركة، يقال ثخن المائع أى سكن عن الحركة { فشدُّوا الوثّاق } فاربطوا من بقى منهم فى الحبال، وجوامع الحديد، ربطا شديدا، والباقى إما مقبوض عليه وهو صحيح، أو ضعيف بالجروح، أو ملقى على الأرض لا يستطيع النهوض، والوثاق ما يربط به أو يحبس به من حبل أو جامعة { فإمَّا منّاً بعْدُ وإمَّا فداءً } إما تمنون منا عليهم بعد الشد، وإما تفادون فداء، والمفاداة هنا قبول الفداء أو طلبه، ولا قتل بعد الإثخان، بل يمن عليهم بالاطلاق أو بالاستعباد، وترك القتل، أو بالفداء، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى فى سورة براءة، وهى آخر ما نزل فى هذا الشأن:فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [التوبة: 5] وقوله تعالى:فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم } [الأنفال: 57] الآية، قال مجاهد: ليس اليوم مَن ولا فداء، لكن القتل أو الاسلام.

وقيل: آية براءة فى غير الأسرى، بدليل أنه يجوز الاسترقاق، قيل: اما الاسلام واما القتل لا فداءَ، ولا أسر، وجاء الحديث بما يفيد أن جريح المشركين وهاربهم يتبع فيقتل، ولو لم يكن له ملجأ، ولا من يستعينون به، وان جريح الموحدين الذين حل قتالهم لا يقتل، وهاربهم لا يتبع، ان لم يكن له ملجأ، وقيل: المن والفداء فى أسرى بدر فقط، وان الآية فيهم، وأما غير بدر فلا فداء ولا أسر، بل القتل، وقيل: يجوز الفداء ويجوز القتل، وقيل بظاهر الآية اما فداء واما منّ لا نسخ فى ذلك، وبه قال الحسن وابن عمر.

السابقالتالي
2 3 4