الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

اعلم أن هذا ذكر طريق آخر في ترغيبهم في الجهاد، وذلك لأنه تعالى ذكر في الآية الأولى أنهم إن لم ينفروا باستنفاره، ولم يشتغلوا بنصرته فإن الله ينصره بدليل أن الله نصره وقواه، حال ما لم يكن معه إلا رجل واحد، فههنا أولى، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: لقائل أن يقول: كيف يكون قوله: { فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ } جواباً للشرط؟ وجوابه أن التقدير إلا تنصروه، فسينصره من نصره حين ما لم يكن معه إلا رجل واحد، ولا أقل من الواحد والمعنى أنه ينصره الآن كما نصره في ذلك الوقت. المسألة الثانية: قوله: { إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني قد نصره الله في الوقت الذي أخرجه الذين كفروا من مكة وقوله: { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } نصب على الحال، أي في الحال التي كان فيها { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } وتفسير قوله: { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } سبق في قوله:ثَـٰلِثُ ثَلَـٰثَةٍ } [المائدة:73] وتحقيق القول أنه إذا حضر اثنان فكل واحد منهما يكون ثانياً في ذينك الاثنين للآخر فلهذا السبب قالوا: يقال فلان ثاني اثنين، أي هو أحدهما. قال صاحب «الكشاف»: وقرىء { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } بالسكون و { إِذْ هُمَا } بدل من قوله: { إِذْ أَخْرَجَهُ } والغار ثقب عظيم في الجبل، وكان ذلك الجبل يقال له ثور، في يمين مكة على مسيرة ساعة، مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه مع أبي بكر ثلاثاً. وقوله: { إذ يقول }: بدل ثان. المسألة الثالثة: ذكروا أن قريشاً ومن بمكة من المشركين تعاقدوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوإذْ يَمْكُر بِكَ الذينَ كفروا } [الأنفال: 30] فأمره الله تعالى أن يخرج هو وأبو بكر أول الليل إلى الغار، والمراد من قوله: { أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } هو أنهم جعلوه كالمضطر إلى الخروج. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أول الليل إلى الغار، وأمر علياً أن يضطجع على فراشه ليمنعهم السواد من طلبه، حتى يبلغ هو وصاحبه إلى ما أمر الله به، فلما وصلا إلى الغار دخل أبو بكر الغار أولاً، يلتمس ما في الغار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم، " مالك؟ " فقال: بأبي أنت وأمي، الغيران مأوى السباع والهوام، فإن كان فيه شيء كان بي لا بك، وكان في الغار جحر، فوضع عقبه عليه لئلا يخرج ما يؤذي الرسول، فلما طلب المشركون الأثر وقربوا، بكى أبو بكر خوفاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام: " لا تحزن إن الله معنا " فقال أبو بكر: إن الله لمعنا، فقال الرسول:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8