الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }

{ لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلْلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ }:

دبّر الله سبحانه أمر العالم الجسماني بهاتين الآيتين - آية الليل وآية النهار -، كما دبَّر أمر العالم الروحاني بآيتين قُدْسِيَّتين: آية النفس وآية العقل، وعظَّم الله أمرهما، ليعرف الإنسان كيفيّة تدبيره تعالى لباطن أحبّائه وعباده الصالحين، بتوسّط نشأَتَيَّ النبوة والولاية في العالم الإنساني، فإن موجودات هذا العالم ومظاهره، مرائي يدرك بها أحوال العوالم المستعلية، فجعل لكل من هاتين الآيتين قانوناً مضبوطاً، وأجلاً معلوماً ومدةً معيّنة، فالشمس لا تقطع فَلَكها إلاّ في سنة، والقمر يقطع فلكه في شهر، فكانت الشمس حَرَّيةً بأن توصف بالإدراك لتباطؤ سيرها عن سير القمر، والقمر جدير بأن يوصف بالسَّبْق لسرعة سَيْره.

وقيل: لمّا باين الله بين فلكيهما ومجراهما، فلا يمكن أن يدرك أحدهما الآخر، ما داما على هذه الصفة، ولا تجتمع ليلتان ليس بينهما يوم، كما لا يجتمع نهاران ليس بينهما ليل، وذلك لدوريّة حركات الشمس بلا رجوع، وإحاطة الفلك الذي مجراها جوانب الأرض فوق الأفق وتحته، وإلاّ لَجَازَ أن يكون الطالع في كل يوم شمس أخرى لها نهار آخر وليل آخر، فيجتمع ليل أحدهما مع نهار الآخر، في وقت واحد لا يسبق عليه.

حكاية

روى العياشّي في تفسيره، بالإسناد عن الأشعث بن حاتم، قال: كنت بخراسان، حيث اجتمع الرضا (عليه السلام)، والفضل بن سهل والمأمون، في الإيوان الحبري بمَرْو، فَوُضِعَت المائدة، فقال الرضا (عليه السلام): إن رجلاً من بني إسرائيل سألني بالمدينة، فقال: " النهار خُلِقَ قبلُ أم الليل، فما عندكم؟ ".

قال: فأداروا الكلام، فلم يكن عندهم في ذلك شيء، فقال الفضل للرضا (عليه السلام): " أخبرنا بها أصلحك الله ".

قال: " نعم، مِن القرآن أم مِن الحساب؟ " قال له الفضل: " من جهة الحساب ".

قال: قد علمت يا فضل، أن طالع الدنيا السَّرطَان والكواكب في مواضع شَرَفها، فَزُحَلُ في الميزان، والمشتري في السرطان، والشمس في الحَمَلْ، والقمر في الثَّور، فذلك يدل على كينونة الشمس في الحَمَل، في العاشر من الطالع في وسط السماء، فالنهار خلق قبل الليل، وفي قول الله تعالى: لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار، أي قد سبقه النهار.

ثم في هذه الآية أسرار شريفة لا ينبغي كتمانها:

منها: أن الشمس لما كانت مثالاً للعقل، وعلمه إجمالي بسيط، فعّال للتفاصيل، وفيّاض للعلوم النفسانيّة المتكثّرة، والقمر مثال للنفس، لكونه قابلاً للنور الحسيّ الوارد عليه من النيّر الأعظم، كما أن النفس في ذاتها خالية عن أنوار العلوم، وإنما يفيض عليها من المبدء العقلي الفعّال بإذن الله، حقائق الصور والكمالات، وعلومها تفصيلية متكثّرة منتقلة من معقول إلى مفعول، فناسب الحركة البطيئة لها، الحاصلة من دورة واحدة في سنة واحدة تامة، جامعة لجميع أحوال الفصول الأربعة، المشتملة على حدوث أشخاص كل نوع من الأنواع الطبيعية كالإناس والخيول، وناسب القمر الحركة السريعة المشتملة على دورات كثيرة في كل سنة، وليس في دورة واحدة منها ما يجمع سائر الآجال والفصول، ولا تفي مدتها بأن تسع فيها نشوء ماله قدر وخطر من المولدات، حتى الخضروات والبقول.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10