الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً }

{ إِنَّا أنذَرْنَاكُمْ } بما فى هذه السورة وما نزل من غيرها. { عَذَاباً قَرِيباً } لتحققه كأَنه وقع لو كان بعيداً وهو عذاب النار ما أبعد ما فات وما أقرب ما هو آت أو قريبا عند ربك وإِن يوماً عند ربك كأَلف سنة أو البرزخ من يوم القيامة وهو مبدأه وفيه نوع قرب فالعقلاء يعدون الموت قريبا وعن قتادة عقوبة الذنب وهو أقرب العذابين وليس كذلك ولا قتل بدر كما زعم بعض لأَنه ينافيهما قوله تعالى: { يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } فإِنه يوم القيامة وهو متعلق بمحذوف نعت لعذابا أو متعلق بعذابا قيل أو بدل من عذابا وفيه أن اليوم غير العذاب وغير بعضه وإِن كان اشتمالا فلا رابط قيل أو متعلق بقريب والمرء المؤمن والكافر أو الكافر فذكره بعد ذلك وضع للظاهر موضع المضمر تصريحاً بموجب العذاب، والمرء المؤمن يرى ما قدم من خير وذكر أن الكافر بعد ينظر أى يشاهد فى صحيفته ما قدمت يداه من الأَعمال أو يشاهد جزاء ما قدم يداه والمراد ما قدم فعبر عن الكل بالجزء المشهور فى العمل مطلقا وهو اليدان وما اسم موصول أى الأَعمال التى قدمتها يداه أو موصوف أى ينظر أعمالا قدمتها يداه أو استفهامية مفعول لما بعده معلقة للنظر.

{ وَيَقُولُ الْكَافِرُ } المشرك أو اعلام لكفر النعمة ويقال له كفر الجارحة وقد مر أن الكفور فى إِما شاكراً وإِما كفوراً صالح لذلك وإِذا أُريد بالمرء ما يعم السعيد والشقى كان ذكر الكافر بعد تخصيصا لذكر بعض ذلك العام. { يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً } كنت الآن ترابا فى هذا اليوم فلم ابعث أو صرت ترابا بعد البعث كما روى أن الله تعالى يبعث البهائم فتتقاص حتى تقص الجماء من القرناء ويقول الله تعالى سخرتكن لبنى آدم فأَطعتمنهم كما أحب ويردها ترابا فيقول الكافر يا ليتنى عدت ترابا مثلها وكذلك يقتص الصبيان بعض من بعض ثم يدخلون الجنة وكذلك المجنون من المجنون ومن الصبى والصبى من المجنون أو المراد ليتنى كنت فى الدنيا ترابا لم أخلق أو يا ليتنى كنت فى الدنيا على صورة هذه البهائم ولم أكلف فأَكون اليوم ترابا، وقيل الكافر إِبليس يرى ثواب آدم والمؤمنين وفوزهم فيتمنى أن يكون من التراب الذى احتقر آدم به إِذ قال خلقتنى من نار وخلقته من طين فلا أفتخر بالنار فلا أعصى. قال أبو هريرة فيقول التراب لا ولا كرامة لك من جعلك مثلى وهذا صحيح فى نفسه إِلا أنه لا دليل على خصوصية فى الاية لأَنها عامة، وقيل المراد بالكون ترابا الاتضاع بالإِيمان والعمل وترك التكبر وهو صحيح إِلا أنه لا يتبادر تفسير أو هو أحسن من القول قبله لبقائه على العموم - وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.