الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ }

قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ }: إنْ شِئْتَ جَعَلْتَ هذا الظرفَ نَسَقاً على الظرفِ قبلَه وهو قولُهُ: { إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ } وإنْ شِئْتَ جَعَلْته منصوباً بمقدَّر قاله أبو البقاء.

وقرأ عبدُ الله بن مسعود وابن عمر: " وإذ قال الملائكة " دونَ تاءِ تأنيث، وتوجيهُ ذلك تقدَّم في { فَنَادَاهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ }. ومعمولُ القولِ الجملةُ المؤكَّدَةُ بإنَّ مِنْ قَوْلِهِ: { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاكِ } ، وكَرَّر الاصطفاءَ رفعاً مِنْ شأنِهِا.

قال الزمخشري: " اصطفاكِ أولاً حين تَقَبَّلَكِ مِنْ أُمِّك ورَبَّاك واخْتَصَّكِ بالكرامَةِ السَّنِيَّة، واصطفاكِ آخِراً على نساءِ العالمين بأَنْ وَهَبَ لكِ عيسى من غَيْرِ أَبٍ ولم يكنْ ذلك لأحدٍ من النساء "

واصْطَفَى: افْتَعَلَ من الصَّفْوَة، أُبْدِلَتْ التاءُ طاءً لأجلِ حرفِ الإِطْبَاقِ وقد تقدَّم تقريرُه في البقرة، وتقدَّم سببُ تعدِّية بـ " على " ، وإن كان أصلُ تعديتِهِ بـ " مِنْ ". وقال أبو البقاء: " وكَرَّر اصطفى: [إمَّا] توكيداً، وإمَّا ليبيِّن مَنِ اصطفاها عليهنَّ " ، وقال الواحدي: " وكَرَّر الاصطفاءَ لأنَّ كِلا الاصطفائين يختلفُ معناهما، فالاصطفاء الأول عمومٌ يدخُل فيه صوالحُ النساءِ، والثاني اصطفاء بما اختصَّتْ به من خصائِصِها.