الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ }

قوله تعالى { ٱذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } ان الله سبحانه وصف مكان امتحان صديقه يوسف حيث اغان قلبه عين قهر نكرته حتى وقع فى بحر النكرة وامتنع عنه بوصف المعرفة فلما احتجب عن مطالعة جلال القدم بامتناع القدم بقى فى رسم الطبيعة وعالم الصورة فسلك سبيل الاسباب وكان ذلك اقل من لمحة فلما طلع على قلبه انوار القدم وادركه فيض الكرم على مكان الامتحان وعرف كيد الشيطان فرجع عن ذكر الانسان الى ساحة الرحمن واذا اراد الله بالعبد العارف زيادة معرفته وقربته اوقعه لحظة فى الغفلة عن الذكر ثم بدا لقلبه نور التجلى فيندم عن نسيانه ويسرع قلبه فى طلب مزيد عرفانه فيكون اقوى فى طلب الحق من الاول كان غفلته عن الذكر تورث زيادة الذكر ومن كان اقرب الى الله فهو اخذته فى زلته اسرع وبلاؤه اوفر الا ترى كيف جازاه بغفلة لحظة لبثه فى السجن بضع سنين وان الله سبحانه اراد من لبث يوسف فى السجن كمال تربيته فى الخلوة وبلوغه الى اخص درجة الانس بالله وزيادة القوة فى الوجد وتمكينه فى الصحو الا ترى الى النبى صلى الله عليه وسلم كيف تحنث فى غار حرى وانسه فى الخلوة فى اوائل النبوة ويحتمل ان قوله { ٱذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } اى عرفنى له طريقى مع الله حتى يعرفنى انى رسول الله ويطيعنى فى طاعة الله وينجو بذلك من عذابه ويصل الى ثوابه ويامر بالمعروف وينهى عن المنكر ويوحد الله سبحانه ويخلص من كيد الشيطان ومن تابعه من الانسان وقوله { فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } ان يوسف لم يعلم وقت ايمان الملك ولم يات وقت دخوله فى الاسلام فأنساه الشيطان ذكر ربه فى سابق حكمه على تقدير وقت ايمان الملك فلبث فى السجن الى وقت الايمان الملك فنسيان يوسف احتجابه عن النظر الى مقادير السابق والله اعلم واحكم قال الواسطى احذروا اصول النفوس لئلا يكشف لكم عن مواضع العجز الا ترى يوسف كيف قال { ٱذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } وقال بعضهم اذكرنى عند ربك ليعلم انه ليس اليه من الضر والنفع شئ وانه مدبر وان الامور كلها الى الله لئلا يعتمد على غير الله ولا يسكن الى احد سواه يدل عليه قوله { فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } وقال النصرابادى قدم على ذكره ذكر الذى ذكر عنده فانساه الشيطان ذكر ربه حين قال لصاحب السجن اذكرنى عند ربك وقال بعضهم اخذ الانبياء بمثاقيل الذر لمكانتهم عنده وتجاوز عن سائر الخلق لقلة مبالاته بهم فى اضعاف ما اتوا به من سوء الادب الا تراه كيف يقول ليوسف بقوله اذكرنى عند ربك وجرى على سرى ان الشيطان انساه ذكر ربه لا ربه انساه الذكر ولا انساه المذكور وكيف انساه المذكور وشره مشاهد وجوده فى جميع انفاسه فذكره هٰهنا محل التوكل والرضا وليس من سقط عن درجة التوكل سقط عن رؤية الله فان التوكل من اسباب المقامات والعارف يسرى فى الحالات وليس انه محجوب عن حقيقة التوكل فان حقيقة التوكل العلم بوحدانية الله وغلبة قهره على كل ذرة وحاشا أن الانبياء محجوبون عن ذلك ابدا.