الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ }

{ وقالَ للَّذى ظَنَّ أنه ناجٍ مِنْها } أى علم أنه ناج بدليل قوله { قضى الأمر } فإن المعنى قضى الله، وهو مقضى ما مر من أن الله جل وعلا أتحفه بتأويل الرؤيا، وإلقاء جبريل لؤلؤة صفراء فى فيه، وإن كان الأمر فى ذلك موكولا إلى اجتهاد، فكان على شك فى التعبير، ولو كان لا بد من صدق تعبيره فالظن رجحان، فمعنى { قُضى الأمر } فرغت من التعبير والحكم، وعلى هذا الوجه قتادة، والضمير فى ظن ليوسف كالذى فى قال، ويجوز كونه لصاحب الشراب، وعليه فيحتمل أنه رجحان، ويحتمل أنه جزم بصدق يوسف، والاحتمالان فى جانب صاحب الشراب، ولو كان تعبير يوسف بوحى لا باجتهاد إن لم يؤمر إلا بعد ذلك، أو قد آمن وضعف إيمانه، أو لم يعلم أنه بالوحى، وذلك الناجى هو صاحب الشراب المذكور. { اذْكُرنى } اذكر حالى { عِنْد ربِّك } سيدك وهو الملك الأكبر يخلصنى من السجن، وقل له إن فى السجن غلاما محبوسا ظلما، وفى رواية بعد ذلك طال سجنه، وفى رواية قل له إن فى حبسك غلاما عبرانيا منذ خمس سنين ظلما، ونسبة إلى ما هو منه برئ، ويجوز أن يكون المراد اذكر منزلتى فى الحسب والنسب، والعلم والمكانة، أو اذكر هذا وكونى مظلوما إذ سجنت بما أنا برئ منه، فقال صاحب الشراب إن شاء الله. { فأنْساهُ الشَّيطانُ } وسوس له بما يشغله حتى يقع فى النسيان، وأما الإنساء ابتداء فلا يقدر عليه إلا الله { ذِكْر ربِّه } أنسى الشيطان ذلك الساقى ذكر يوسف عند ربه، أى سيده، وأضاف الذكر لربه، لأن ذكر يوسف إنما يقع من الساقى عند الملك، والإضافة تصح لأدنى ملابسة، ويجوز أن يقدر مضاف، أى ذكر إخبار ربه بكسر الهمزة، ويجوز أن تعود الهاءان إلى يوسف، فيكون الرب هو الله جل وعلا، أى أنسى الشيطان يوسف أن يذكر الله حين وكَّل أمره إلى غيره، وعليه الأكثر، وفى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يقل أحدكم عبدى وأمتى وليقل فتاى وفتاتى، ولا يقل المملوك لسيده وسيدته ربى وربتى وليقل سيدى وسيدتى كلهم عبيد والله هو الرب ". { فَلَبثَ فى السِّجنِ } الفاء سببية، والسبب إنساء الشيطان، والمعطوف عليه قوله { أنساه الشيطان } أو السبب هو قوله { للذى ظن أنه ناج منهما اذكرنى } وعليه فالعطف على قوله { قال } ويدل لهذا قوله صلى الله عليه وسلم " رحم الله أخى يوسف لو لم يقل اذكرنى عند ربك ما لبث فى السجن ما لبث " وعن ابن عباس عند يوسف ثلاث عثرات هم بها فسجن، وقال اذكرنى عند ربك فلبث فى السجن بضع سنين، وقال لإخوته إنكم لسارقون، قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6