الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }

{ بِٱلْبَيّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِ } أي بالمعجزات والكتب، والأولى للدلالة على الصدق، والثانية لبيان الشرائع والتكاليف./ وانحرف عن الحق من فسرهما بما هو مصطلح أهل الحرف. والجار والمجرور متعلق بمقدر يدل عليه ما قبله وقع جواباً عن سؤال من قال: بم أرسلوا؟ فقيل: أرسلوا بالبينات والزبر. وجوز الزمخشري والحوفي تعلقه ـ بأرسلنا ـ السابق داخلاً تحت حكم الاستثناء معرِجَالاً } [النحل:43] أي وما أرسلنا إلا رجالاً بالبينات وهو في معنى قولك: ما أرسلنا جماعة من الجماعات بشيء من الأشياء إلا رجالاً بالبينات، ومثله ما ضربت إلا زيداً بسوط، وهو مبني على ما جوزه بعض النحاة من جواز أن يستثنى بأداة واحدة شيآن دون عطف وأنه يجري في الاستثناء المفرغ، وأكثر النحاة على منعه كما صرح به صاحب " التسهيل " وغيره. وقال في «الكشف»: والحق أنه لا يجوز لأن { إلا } من تتمة ما دخلت عليه كالجزء منه وللزوم الإلباس أو وجوب أن يكون جميع ما يقع بعد إلا محصوراً وأن يجب نحو ما ضرب إلا زيداً عمراً إذا أريد الحصر فيهما ولا يكون فرق بين هذا وذاك، وكل ذلك ظاهر الانتفاء. والزمخشري جوز ذلك وصرح به في مواضع من " كشافه " ، واستدل عليه بأن أصل ما ضربت إلا زيداً بسوط ضربت زيداً بسوط وأراد أن زيادة ما وإلا ليست إلا تأكيداً فلتؤكد لما كان أصل الكلام عليه، وهو حسن لولا أن الاستعمال والقياس آبيان، وقال بعضهم: إنه متعلق به من غير دخوله معرجالاً } [النحل: 43] تحت حكم الاستثناء على أن أصله وما أرسلنا بالبينات والزبر إلا رجالاً. وتعقب بأنه لا يجوز على مذهب البصريين حيث لا يجيزون أن يقع بعد إلا إلا مستثنى أو مستثنى منه أو تابعاً وما ظن من غير الثلاثة معمولاً لما قبل إلا قدر له عامل، وأجاز الكسائي أن يقع معمولاً لما قبلها منصوب كما ضرب إلا زيد عمراً، ومخفوض كما مر إلا زيد بعمرو " ولا يعذب إلا الله بالنار " ، ومرفوع كما ضرب إلا زيداً عمرو، ووافقه ابن الأنباري في المرفوع، والأخفش في الظرف والجار والحال، فما ذكر مبني على مذهب الكسائي والأخفش، لكن قال الشهاب: إنه خلاف ظاهر الكلام وإخراج له عن سنن الانتظام وأكثر النحاة على أنه ممنوع، وجوز أن يكون متعلقاً بما رفع صفة ـ لرجالاً ـ أي رجالاً ملتبسين بالبينات ولم يقع حالاً منه، قيل: لأنه نكرة متقدمة، نعم قيل: بجواز وقوعه حالاً من ضمير الرجال فيإِلَيْهِمُ } [النحل: 43] وقيل: يجوز كونه حالاً منرِجَالاً } [النحل: 43] لأنه نكرة موصوفة، واختار أبو حيان مجيء الحال من النكرة بلا مسوغ كثيراً قياساً ونقله عن سيبويه وإن كان دون الاتباع في القوة.

السابقالتالي
2 3