الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ }

{ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً } قرأ أبو معاذ { لَّيّناً } بالتخفيف، والفاء لترتيب ما بعدها على طغيانه فإن تليين القول مما يكسر سَوْرة عناد العتاة ويلين قسوة / الطغاة، ويعلم من ذلك أن الأمر بإلانة القول ليس لحق التربية كما قيل، والمعنى كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لا تعنفاه في قولكما وارفقا به في الدعاء ويتحقق ذلك بعبارات شتى منها ما سيأتي إن شاء الله تعالى قريباً وهوإِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ } [طه: 47] الخ ومنها ما في النازعات [18-19] وهوهَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ * وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبّكَ فَتَخْشَىٰ } وهذا ظاهر غاية الظهور في الرفق في الدعاء فإنه في صورة العرض والمشورة، وقيل: كنياه، واستدل به على جواز تكنية الكافر، وروي ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضاً وسفيان الثوري، وله كنى أربع أبو الوليد وأبو مصعب وأبو العباس وأبو مرة، وقيل: عداه شباباً لا يهرم بعده وملكاً لا ينزع منه إلا بالموت وأن يبقى له لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته، وعن الحسن: قولا له إن لك رباً وإن لك معاداً وإن بين يديك جنة وناراً فآمن بالله تعالى يدخلك الجنة ويقك عذاب النار، وقيل: أمرهما سبحانه بأنه يقدما له الوعد على الوعيد من غير تعيين قول كما قيل:
أقدم بالوعد قبل الوعيد   لينهى القبائل جهالها
وروي عن عكرمة أن القول اللين لا إله إلا الله ولينه خفته على اللسان، وهذا أبعد الأقوال وأقربها الأول، وكان الفضل بن عيسى الرقاشي إذا تلا هذه الآية قال: يا من يتحبب إلى من يعاديه فكيف بمن يتولاه ويناديه؛ وقرأت عند يحيـى بن معاذ فبكى وقال: إلٰهي هذا رفقك بمن يقول أنا الإلٰه فكيف رفقك بمن يقول أنت الله؟ وفيها دليل على استحباب إلانة القول للظالم عند وعظه.

{ لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ } ويتأمل فيبذل النصفة من نفسه والإذعان للحق فيدعوه ذلك إلى الإيمان { أَوْ يَخْشَىٰ } أن يكون الأمر كما تصفان فيجره إنكاره إلى الهلكة وذلك يدعوه إلى الإيمان أيضاً إلا أن الأول للراسخين ولذا قدم، وقيل: يتذكر حاله حين احتبس النيل فسار إلى شاطئه وأبعد وخر لله تعالى ساجداً راغباً أن لا يخجله ثم ركب فأخذ النيل يتبع حافر فرسه فيستدل بذلك على عظيم حلم الله تعالى وكرمه أو يخشى ويحذر من بطش الله تعالى وعذابه سبحانه، والمعول على ما تقدم. ولعل للترجي وهو راجع للمخاطبين، والجملة في محل النصب حال من ضميرهما في { قُوْلاَ } أي فقولا له قولاً ليناً راجيين أن يتذكر أو يخشى، وكلمة أو لمنع الخلو.

السابقالتالي
2