الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ }

قال أبو جعفر: يعنـي بقوله جل ثناؤه: { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ } استعينوا علـى الوفـاء بعهدي الذي عاهدتـمونـي فـي كتابكم من طاعتـي واتبـاع أمري، وترك ما تهوونه من الرياسة وحبّ الدنـيا إلـى ما تكرهونه من التسلـيـم لأمري، واتبـاع رسولـي مـحمد صلى الله عليه وسلم بـالصبر علـيه والصلاة. وقد قـيـل: إن معنى الصبر فـي هذا الـموضع: الصوم، والصومُ بعض معانـي الصبر عندنا. بل تأويـل ذلك عندنا: أن الله تعالـى ذكره أمرهم بـالصبر علـى ما كرهته نفوسهم من طاعة الله، وترك معاصيه. وأصل الصبر: منع النفس مـحابّها وكفّها عن هواها ولذلك قـيـل للصابر علـى الـمصيبة: صابر، لكفه نفسه عن الـجزع وقـيـل لشهر رمضان: شهر الصبر، لصبر صائمه عن الـمطاعم والـمشارب نهارا، وصبرُه إياهم عن ذلك: حبسه لهم، وكفه إياهم عنه، كما يصبر الرجل الـمسيء للقتل فيـحبسه علـيه حتـى يقتله. ولذلك قـيـل: قتل فلان فلاناً صبراً، يعنـي به حبسه علـيه حتـى قتله، فـالـمقتول مصبور، والقاتل صابر. وأما الصلاة فقد ذكرنا معناها فـيـما مضى. فإن قال لنا قائل: قد علـمنا معنى الأمر بـالاستعانة بـالصبر علـى الوفـاء بـالعهد والـمـحافظة علـى الطاعة، فما معنى الأمر بـالاستعانة بـالصلاة علـى طاعة الله، وترك معاصيه، والتعرّي عن الرياسة، وترك الدنـيا؟ قـيـل: إن الصلاة فـيها تلاوة كتاب الله، الداعية آياته إلـى رفض الدنـيا وهجر نعيـمها، الـمسلـية النفوس عن زينتها وغرورها، الـمذكرة الآخرة وما أعدّ الله فـيها لأهلها. ففـي الاعتبـار بها الـمعونة لأهل طاعة الله علـى الـجدّ فـيها، كما رُوي عن نبـينا صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا حَزَ به أمر فزع إلـى الصلاة. حدثنـي بذلك إسماعيـل بن موسى الفزاري، قال: حدثنا الـحسين بن رتاق الهمدانـي، عن ابن جريج، عن عكرمة بن عمار، عن مـحمد بن عبـيد بن أبـي قدامة، عن عبد العزيز بن الـيـمان، عن حذيفة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا حز به أمر فزع إلـى الصلاة». وحدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار، قال: حدثنا خـلف بن الولـيد الأزدي، قال: حدثنا يحيى بن زكريا عن عكرمة بن عمار، عن مـحمد بن عبد الله الدولـي، قال: قال عبد العزيز أخو حذيفة، قال حذيفة: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَ به أمر صلـى». وكذلك رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى أبـا هريرة منبطحاً علـى بطنه فقال له: " اشكنب دَرْد " ؟ قال: نعم، قال: " قُمْ فَصَلِّ فَـانَّ فِـي الصَّلاَةِ شفـاءً " فأمر الله جل ثناؤه الذين وصف أمرهم من أحبـار بنـي إسرائيـل أن يجعلوا مفزعهم فـي الوفـاء بعهد الله الذي عاهدوه إلـى الاستعانة بـالصبر والصلاة كما أمر نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال له: { فـاصْبرْ } يا مـحمد علـى ما يَقُولُونَ

السابقالتالي
2