الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

قوله تعالى { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ }.

أي كتبنا عليهم في التوراة حكم أنواع القصاص وهو أن حكم الزاني المحصن " الرجم " فغيَّروه وبدَّلوه، وبيَّن أيضاً في التوراة: أن النفس بالنفس فغيَّروا هذا الحكم ففضلوا بني النضير على بني قريظة، وخصصوا إيجاب القود ببني قريظة دون بني النضير فهذا أوجه النظم، ومعنى " كتبنا " أي: فرضنا، وكان شر القصاص أو العفو، وما كان فيهم الدية والضمير في " عليهم " لـ " الذين هادوا ". قوله تعالى: { أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ }: " أن " واسمها وخبرها في محل نصب على المفعولية بـ " كتبنا " ، والتقدير: وكتبنا عليهم أخْذَ النفس بالنفس.

وقرأ الكسائي " والعَيْنُ " وما عُطِفَ عليها بالرفع، وقرأ نافع وحمزة وعاصم بنصب الجميع.

وقرأ أبو عمرو، وابن كثير، وابن عامر بالنصب فيما عدا " الجُرُوح " فإنهم يرفعونها.

فأما قراءة الكسائي فوجَّهَهَا أبو علي الفارسي بثلاثة أوجه:

أحدها: أن تكون " الواو " عاطفة جملة اسمية على جملة فعلية، فتعطف الجمل كما تعطف المفردات، يعني أن قوله: " والعين " مبتدأ، و " بالعين " خبره، وكذا ما بعدها، والجملة الاسمية عطف على الفعلية من قوله: " وَكَتَبْنَا " وعلى هذا فيكون ذلك ابتداء تشريع، وبيان حكم جديد غير مندرج فيما كتب في التوراة.

قالوا: وليست مشركة للجملة مع ما قبلها لا في اللفظ ولا في المعنى.

وعَبَّرَ الزمخشري عن هذا الوجه بالاستئناف قال: " أو " للاستئناف، والمعنى: فرضنا عليهم أن النفس مأخوذة بالنفس مقتولة بها، إذا قتلها بغير حقٍّ، وكذلك العين مَفْقُودة بالعين، والأنف مَجْدُوع بالأنف، والأذن مَصْلُومة أو مقطوعة بالأذن والسِّنّ مقلوعة بالسن، والجُرُوح قصاص وهو المُقَاصَّة، وتقديره: أن النفس مأخوذة بالنفس، سبقه إليه الفارسي، إلا أنه قدر ذلك في جميع المجرورات، أي: والعين مأخوذة بالعين إلى آخره، والذي قدَّرَه الزمخشري مناسب جداً، فإنه قدر متعلَّق كل مجرور بما يناسبه، فالفَقْء للعين، والقَلْع للسن، والصَّلْمُ للأذن، والجَدْع للأنف، إلا أن أبا حيّان [كأنه] غضَّ منه حيث قدَّر الخبر الذي تعلَّق به المجرور كوناً مقيداً، والقاعدة في ذلك إنما يقدَّر كوناً مُطْلَقاً.

قال: " وقال الحوفي: " بالنفس " يتعلّق بفعل محذوف تقديره: يجب أو يستقر، وكذا العين بالعين وما بعدها، فقدَّر الكون المطلق، والمعنى: يستقر قتلها بقتل النفس " ، إلا أنه قال قبل ذلك: " وينبغي أن يُحْمَلَ قول الزمخشري على تفسير المعنى لا تفسير الإعراب " ثم قال: فقدَّر - يعني: الزمخشري - ما يقرب من الكون المطلق، وهو: " مأخوذ " ، فإذا قلت: " بعت الشياه شاةً بدرهم " ، فالمعنى: مأخوذة بدرهم، وكذلك الحر بالحر أي: مأخوذ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6