الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } * { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَٰهَا } * { إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَٰهَآ } * { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَٰهَا } * { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا }

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يسألك يا محمد هؤلاء المكذّبون بالبعث عن الساعة التي تبعث فيها الموتَى من قبورهم أيانَ مرساها، متى قيامها وظهورها؟ وكان الفرّاء يقول: إن قال قائل: إنما الإرساء للسفينة، والجبال الراسية وما أشبههنّ، فكيف وصَفَ الساعة بالإرساء؟ قلت: هي بمنزلة السفينة إذا كانت جارية فرست، ورسوّها: قيامها قال: وليس قيامها كقيام القائم، إنما هي كقولك: قد قام العدل، وقام الحقّ: أي ظهر وثبت. قال أبو جعفر رحمه الله: يقول الله لنبيه: { فِيمَ أنْتَ مِنْ ذِكْراها } يقول: في أيّ شيء أنت من ذكر الساعة والبحث عن شأنها. وذُكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُكثر ذكر الساعة، حتى نزلت هذه الآية. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهريّ، عن عُروة، عن عائشة، قالت: لم يزلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَسأل عن الساعة، حتى أنزل الله عزّ وجلّ: { فِيمَ أنْتَ مِنْ ذِكْراها إلى رَبِّكَ مُنْتَهاها }. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل، عن طارق بن شهاب، قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يزال يَذكر شأن الساعة حتى نزلت { يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أيَّانَ مُرْساها }؟... إلى { مَنْ يَخْشاها }. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { فيمَ أنْتَ مِنْ ذِكْراها } قال: الساعة. وقوله: { إلى رَبِّكَ مُنْتَهاها } يقول: إلى ربك منتهى علمها، أي إليه ينتهي علم الساعة، لا يعلم وقت قيامها غيره. وقوله: { إنَّمَا أنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها } يقول تعالى ذكره لمحمد: إنما أنت رسول مبعوث بإنذار الساعة من يخاف عقاب الله فيها على إجرامه، ولم تكلَّف علمَ وقت قيامها، يقول: فدع ما لم تكلف علمَه، واعمل بما أُمرت به، من إنذار من أُمرت بإنذاره. واختلف القرّاء في قراءة قوله: { مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها } فكان أبو جعفر القارىء وابن محيصن يقرآن: «مُنْذِرٌ» بالتنوين، بمعنى: أنه منذرٌ مَنْ يَخشاها وقرأ ذلك سائر قرّاء المدينة ومكة والكوفة والبصرة بإضافة مُنْذِرٍ إلى من. والصواب من القول في ذلك عندي: أنهم قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وقوله: { كأنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إلاَّ عَشِيَّةً أوْ ضُحاها } يقول جلّ ثناؤه: كأن هؤلاء المكذّبين بالساعة، يوم يرون أن الساعة قد قامت، من عظيم هولها، لم يلبثوا في الدنيا إلا عشية يوم، أو ضحا تلك العشية والعرب تقول: آتيك العشية أو غدَاتَها، وآتيك الغداةَ أو عشيتها، فيجعلون معنى الغداة، بمعنى أوّل النهار، والعشية: آخر النهار، فكذلك قوله: { إلاَّ عَشِيَّةً أوْ ضُحاها } إنما معناها إلا آخر يوم أو أوّله، وينشد هذا البيت:
نَحْنُ صَبَحْنا عامِراً فِي دَارِها   عَشِيَّةَ الهِلالِ أوْ سِرَارِها
يعني: عشية الهلال، أو عشية سرار العشية. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { كأنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثوا إلاَّ عَشِيَّةً أوْ ضُحاها } وقت الدنيا في أعين القوم حين عاينوا الآخرة.